حوافز الاستثمار من خلال القانون الموريتاني ذ.ابراهيم الب خطري
من المناسب ونحن في نشوة الأمل الذي يتجدد مع فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، أن نناقش موضوعا من أهم المواضيع، ألا وهو موضوع الاستثمار، نظرا لما يمثله من بعد خارجي يتمثل في جلب الاستثمارات الأجنبية وبعد داخلي يتمثل في
ترقية الاستثمارات المحلية،
ولسنا بدعا في ذلك فقد سارع الكثير من الدول النامية نحو التوجه إلى الاهتمام بالاستثمار، وذلك من خلال العديد من الدراسات والاستراتيجيات الهادفة إلى إنعاش الاقتصاد عن طريق سن قوانين محفزة وحامية للاستثمار.
لم تكن الدولة الموريتانية بعيدة عن هذ الاتجاه، وفي سبيله تبنت الكثير من الاستراتيجيات والقوانين، كان آخر هذه الإستراتيجيات هو الإعلان ـــ الذي تم في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 30/ 12 / 2020 , عن إنشاء مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تدعي " وكالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا"
وتعتبر هذه الخطوة من أهم الخطوات الإصلاحية في مجال السياسة التحفيزية حيث ستلبي الكثير من طموحات المستثمرين فيما يتعلق بمشاريعهم الاستثمارية سواء من ناحية تسهيل إنشاء شركاتهم التجارية أو الحصول على الإفادات الاستثمارية، كما تعتبر هذه الخطوة تطبيقا جيدا للإستراتيجية الوطنية لتنمية القطاع الخاص الممتدة من الفترة 2015 إلى 2025
ونظرا إلى أن موضوع التحفيزات الاستثمارية مهم من الناحية القانونية، فإننا سنلقي نظرة على أهم ما تضمنته القوانين الخاصة بموضوع الاستثمار، ولن يكون الموضوع مجرد سرد للقوانين، بل سنقوم بتحليل ما أمكن منها مع التركيز بشكل خاص على بعضها والمرتبط أساسا بموضوع الاستثمار لنقف على ما تضمنته هذه القوانين مما هو مهم في إطار تشجيع المستثمرين من مختلف الجنسيات ومن مختلف الفئات والمستويات، وبعد ذلك نقدم توصيات نري أنها تعزز من أهمية التحفيزات الاستثمارية والإصلاحات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال.
أولا: النصوص القانونية المؤطرة للاستثمار وحوافزه
يعد دستور البلاد الصادر بتاريخ 20 يوليوا 1991 المراجع سنوات 2006 و2012 و2017 هو الأساس الأول لبناء أي ترسانة قانونية مكتملة ومنسجمة مع تطلعات الدولة في كافة المجلات، تأتي بعده القوانين التنظيمية والعضوية كتجسيد فعلي لمبادئه، وفي هذ السياق وبعد تبني الدولة الموريتانية لبرنامج ممارسة الإعمال المعد من طرف البنك الدولي، تركزت الجهود الإصلاحية في السنوات الأخيرة حول إصدار العديد من القوانين والمراسيم التطبيقية الهادفة إلى تشجيع المستثمر الوطني والأجنبي ومن أهم هذه القوانين:
ـــــ إصدار قانون الاستثمار رقم 052/ 2012 والمرسوم المطبق له رقم 2012 / 285
ـ تعديل مدونة التجارة سنة 2014 و2015 والمراسيم المطبق لها
ـ إصدار القانون رقم 044 / 2010 المتضمن مدونة الصفقات العمومية والمرسوم المطبق له رقم 2017 / 126
ـــ إصدار قانون لحل النزاعات الصغيرة 2017 و2019
ــــ إصدار القانون رقم 2019 – 018 المتضمن للمدونة العامة للضرائب
إصدار القانون رقم 001 /2013 المتعلق بإنشاء المنطقة الحرة
ــــ إصدار القانون رقم 006 / 2017 المتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص والمرسوم المطبق له رقم 2017 / 125
ـــــ إصدار القانون رقم 2017 – 0142 المتضمن مدونة الحقوق العينية
ونظرا لما أشرنا إليه سابقا من محاولة التركيز على بعض هذه القوانين، سبيلا الي معرفة ما تضمنته من الحوافز الاستثمارية والضمانات، فإننا سنقتصر على مدونة الاستثمارات ومدونة التجارة ومدونة الصفقات العمومية وقانون حل النزعات الصغيرة.
1 ــــ القانون رقم 052 / 2012 المتضمن مدونة الاستثمارات
صدر القانون رقم 052/ 2012 المتضمن لمدونة الاستثمارات بتاريخ 31 يوليو 2012 كنتيجة لإصلاحات تم اتخاذها من أجل تحسين مناخ الأعمال، وقد جاء هذا القانون بهدف إرساء ثلاثة محاور رئيسية هي: (الضمانات الخاصة بحقوق وحرية المقاولة ــــ أنظمة الامتياز ـــــ تسوية النزاعات)
ـــــ الضامنات الخاصة بحقوق وحرية المقاولة
ضمن المحفزات الاستثمارية التي تزخر بها المدونة , توجد محفزات ومزايا خاصة بالمقولات التي أنشئت قصد إنجاز مشروع استثماري , وقد جاء في المادة 5 من هذه المدونة أن الدولة الموريتانية تضمن للمقاولات استقرار الشروط القانونية والجبائية والجمركية الممنوحة لمدة عشرين سنة ابتداء من تاريخ منح إفادة الاستثمار , ومع ذلك يستفيد المستثمر تلقائيا من أي تغير ملائم في الشروط الجبائية أو الجمركية خلال فترة صلاحية الاعتماد , ويمكن حصر هذه الحقوق والضمانات حسب القانون المذكور في تسعة أمور هي (حماية الملكية ـــ ضمان استقرار الشروط ـــــ ضمان توفر العملات الصعبة ـــــ ضمان تحويلات رؤوس الأموال ـــــــ ضمان تحويل الأجور ــــ ضمان النفاذ إلي المواد الأولية ـــــ المساواة في المعاملة ـــــ حقوق وحرية المقاولة ـــــ استخدام العمال الأجانب )
ـــــ أنظمة الامتياز
وضعت مدونة الاستثمارات أنظمة للامتياز والتحفيز أعلاها هو اتفاقية التأسيس و أدناها هو نظام المقاولات الصغيرة والمتوسطة وليستفيد المستثمر من الامتيازات الممنوحة بموجب هذه المدونة عليه أن يختار أحد هذه الأنظمة الثلاثة ( نظام المقولات الصغيرة والمتوسطة ـــــ المناطق الاقتصادية الخاصة ـــــ اتفاقية التأسيس ) , وقد وضعت المدونة لكل واحد من هذه الأنظمة حوافز جمركية وضريبية تختلف باختلاف النظام المتبع كما وضعت لكل واحد منهم معيار يحدده وكمثال علي ذلك فإن المادة 16 من المدونة تحدد المعيار الخاص بنظام المقولات الصغيرة والمتوسطة من خلال ثلاثة معايير هي : ( ـــ المعيار الاستثماري ما بين 50 إلي 200 مليون ــــ معيار الخضوع لنظام الربح الحقيقي ــــ المعيار الوظيفي الذي هو عبارة عن خلق عشرة وظائف مباشرة )
ـ تسوية النزاعات
يتضح من أحكام مدونة الاستثمارات أن كل النزاعات الناجمة عن تطبيق هذه المدونة تتم تسويتها وفقا لمبدأ التراضي أولا والتقاضي ثانيا، أو تبعا لاختيار المستثمر أمام المحاكم الموريتانية المختصة وهذا ما تعكسه بوضوح أحكام المادة 30 من المدونة، وعلى هذا يمكن القول بأن النظام الموريتاني يراعي في أحكامه خصوصية المستثمر الوطني و الأجنبي وما يتطلبه استثماره من توفير وسائل بديلة تمكنه من الوصول إلي حقوقه دون كبير عناء , وفضلا عن ذلك فإن النزاعات التي تنشأ بين المستثمرين الأجانب وبين حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية , تمكن تسويتها إما بالتراضي أو التحكيم وذلك عن طريق :
ـــ اتفاق الأطراف
ـــــ الرجوع إلى الاتفاقيات والمعاهدات المتعلق بالحماية المبرمة بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية والدولة التي ينحدر منها المستثمر
ـــ اللجوء إلى مركز الوساطة والتحكيم الخاص بموريتانيا
ـــــ اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية النزعات المتعلقة بالاستثمار
2 القانون رقم 2000/005 المتضمن مدونة التجارة
صدر القانون رقم 2000/ 005 المتضمن مدونة التجارة بتاريخ 18 يناير سنة 2000 والمراجع سنوات 2014 و015 2 والتعديل الجاري والذي تقدم به وزير العدل السيد محمد محمود ولد بية يوم 31/ 12 / 2020 , وتعكس هذه التعديلات في مجملها حرص الحكومة على أهمية الإطار التشريعي وضرورة تحديثه من أجل أن يكون قادرا على مواجهة العراقيل الناجمة عن تخلف الترسانة القانونية، وقد جاء تعديل القانون التجاري سنة 2015 بمجموعة من الإصلاحات من أهمها:
ـــــ تحديد راس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة بصفة حرة من طرف الشركاء
ــ عدم إلزامية توثيق النظام الأساسي بالنسبة للشركات ذات المسؤولية المحدودة
3 ــــ القانون رقم 2010 ــــ 44 المتضمن مدونة الصفقات العمومية
تعد الصفقات العمومية وسيلة من سائل الإدارة ـ, تقوم من خلالها على تأمين حاجيتها، ومع ذلك فهي من أهم المحفزات الاستثمارية عند المستثمر ورافعة قوية للاستثمار، وفي السنوات الأخيرة شهدت تحسنا ملحوظا، تجلي من خلال إصدار القانون رقم 2010 -44 بتاريخ 22 يوليو سنة2010 والمرسوم المطبق له رقم 2017 – 126، ونظرا لأهمية الصفقات العمومية عند المستثمرين، فسوف نشير إلى أهم المظاهر التحفيزية من خلال القانون المذكور :
ـــــ حرية الولوج إلى الصفقات العمومية
تشير المادة 23 من القانون أنه يجوز لكل مترشح يتوفر على الكفاءة الفنية والمالية لتنفيذ صفقة عمومية أن يشارك في إجراء الصفقات العمومية، وفي المقابل لا يجوز للسلطة المتعاقدة في تحديد القدرات الفنية والمالية المطلوبة أن تتخذ أي إجراء تميزي ولاسيما إذا ترتبت عليه عرقلة الولوج الحر إلى الصفقة العمومية.
ـــــ مبدأ علنية العروض في الصفقات العمومية
من دواعي الشفافية في الصفقات العمومية مراعاة مبدأ علنية العروض، وقد ألزمت المادة 26 من القانون رئيس لجنة الصفقات العمومية بالإشراف علي فتح العروض في جلسة علنية، بحضور كل من يرغب من المترشحين أو ممثليهم في الحضور.
4 ــــ القانون رقم 2019 – 21 يتعلق بحل النزاعات الصغيرة
في إطار الإصلاحات المتعلقة بمؤشر الأعمال صدر القانون رقم 2017 -19 بتاريخ 18 يوليو 2017 المنشئ للإجراءات الخاصة بالنزاعات الصغيرة. وكونه لم يستجب للمعايير المطلوبة في حل النزاعات تم إلغاؤه ليحل محله القانون رقم 2019 – 21 الصارد بتاريخ 29/ ابريل /2019 , كما جاء هذا القانون الأخير تنفيذا لخريطة الطريق لإصلاحات مؤشر الأعمال المعتمدة في مجلس الوزراء بتاريخ 31 يناير 2019 , ويتميز هذا القانون الأخير بمجموعة من المميزات المهمة في إطار تسريع وتيرة التقاضي في مجال النزاعات الصغيرة، ويمكن حصرها في النقاط التالية:
ــــ تكريس مبدأ الحضورية في معالجة الدعوي
ــــــ إسناد الاختصاص في النزاعات الصغيرة لرئيس المحكمة أو قاض ينتدبه لهذا الغرض
ـــــ تقليص الآجال القانونية لتبليغ العرائض والرد عليها
ـــــــ تحديد فترة البت في القضايا بأقل من ستين يوما ابتداء من تاريخ فتح الدعوي
ـــــ إضفاء وصف النهائية على الأحكام الصادرة طبقا لهذ القانون
ـــــ تطبيق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل للأحكام الصادرة طبقا لهذا القانون
ـــــ إعفاء الإجراءات و الإبلاغات المقام بها طبقا لهذا القانون من حقوق التسجيل
ثانيا: توصيات مهمة لتطوير مناخ الأعمال
مما لا شك فيه أن مناخ الأعمال لا يمكن أن ينهض إلا على أساس منظومة تشريعية متحركة وخالية من العيوب الناجمة عن صياغة القوانين المؤطرة له ، لذا يبقى من الضروري تفعيل القوانين المتعلقة بالاستثمار ومراجعتها بشكل دائم ، هذا ما يضمن التحسين المستمر لمناخ الأعمال وتعزيز جاذبيته للاستثمارات الأجنبية والوطنية، ولن يتأتى هذا إلا من خلال مراعاة الإطار التشريعي المتعلق بالاستثمار (التوصية الأولي) والمؤسسات الإدارية المسؤولة عن إدارة ملف الاستثمار (التوصية الثانية) والمؤسسات القضائية المسؤولة عن توفير الحماية القانونية والقضائية (التوصية الثالثة)
التوصية الأولي: الإطار التشريعي المتعلق بالاستثمار
تكمن أهيمه الإطار التشريعي في كونه المحدد الذي يتعرف المستثمر من خلاله على الالتزامات الواجبة عليه والضمانات والمزايا الممنوحة له ,وكذا فرص الاستثمار ومدي الكفاءة والمرونة التي يتمتع بها الإطار التشريعي , لذا فإنه من الضروري مراعاة هذه الأمور عند صياغة نص تشريعي أو تنظيمي يتعلق بالاستثمار , كما أنه من الضروري مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية الحالية من خلال وضع ضوابط جديدة ومعايير تراعي خصوصية الواقع الاستثماري للبلد والانفتاح علي الاستثمار الأجنبي , وبناء علي ذلك يلزم أن تكون الجهة المشرفة علي هذه المراجعة مشكلة من ذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص في مجال القانون والاقتصاد
التوصية الثانية: المؤسسات الإدارية المسؤولة عن ملف إدارة الاستثمار
بالإعلان الذي تم في مجلس الوزراء بتاريخ 30/12 / 2020 عن إنشاء مؤسسة عمومية تدعي وكالة ترقية الاستثمار، تصبح هذه الوكالة هي المسؤول المباشر عن إدارة ملف الاستثمار من الناحية الإدارية ونظرا إلى اننا لم نطلع بعد على النظام الداخلي للوكالة لنتعرف على حدود تدخلها في مجال الاستثمار نكتفي بتذكيرها والعمل على تحقيق أهداف اللجنة الوزارية المكلفة بتحسين مناخ الأعمال والمشكلة بتاريخ 26 /03/2020 , وتتمثل هذه الأهداف في:
ــــ تحفيز الإدارات والجهات الفاعلة المعنية بتحسين مؤشرات مناخ الأعمال
ــــــ تنسيق تنفيذ إصلاحات مناخ الأعمال،
ـــــ تشجيع التشاور والحوار مع القطاع الخاص
ــــــ تنسيق مشاركة موريتانيا في منتديات الاستثمار الإقليمية والدولية،
ـــــ إدارة تواصل فعال حول مناخ الأعمال وفرص الاستثمار في موريتانيا
ـــــ تحديد اهتمامات الفاعلين الاقتصاديين فيما يتعلق بالاستثمار
التوصية الثالثة: المؤسسات القضائية المسؤولة عن توفير الحماية القضائية للمستثمر
ليست المخاطر الاقتصادية هي ما يهم المستثمر فحسب وإنما مسألة الأمن القانوني هي ما يؤرقه ويشغل باله بالدرجة الأولى، ويعني الأمن القانوني بالنسبة له توفير مناخ قانوني مطمئن يجد فيه كل الآليات القانونية المحفزة على الاستثمار خصوصا القانون التجاري باعتباره القانون الذي يحكم التاجر والأعمال التجارية. ويعتبر القضاء التجاري هو الجهة المسؤولة عن توفير هذه الحماية
وزيادة على ما تم إنجازه في سبيل تدعيم الحماية القانونية للمستثمر عن طريق المراجعات المتعددة لمدونة التجارة وقانون حل النزاعات الصغيرة، ونشر الأحكام والقرارات الصادرة عن مختلف درجات المحاكم التجارية على موقع خاص على الإنترنت، يبقى من الضروري مواصلة العناية بهذا القضاء لكونه الجهة التي يلجأ إليه المستثمر لفض نزاعاته الاستثمارية المتعلقة باستثماره، ويفضل أن تكون هذه العناية من خلال:
ـــــ تحسين خبرات الفاعلين في ميدان القضاء التجاري من قضاة وكتاب ضبط
ـ تحسين قدرات أعوان القضاء في مجال القضاء التجاري (المحامون _ العدول المنفذون _ الموثقون – الخبراء القضائيين)
ــــ مراجعة الأنظمة التجارية وإعادة صياغتها وإصدارها في مدونة واحدة
إبراهيم الب خطري
باحث في مجال قانون الأعمال
ممثل المحكمة التجارية بنواكشوط لدي الشباك الموحد المكلف بمسك السجل التجاري
ترقية الاستثمارات المحلية،
ولسنا بدعا في ذلك فقد سارع الكثير من الدول النامية نحو التوجه إلى الاهتمام بالاستثمار، وذلك من خلال العديد من الدراسات والاستراتيجيات الهادفة إلى إنعاش الاقتصاد عن طريق سن قوانين محفزة وحامية للاستثمار.
لم تكن الدولة الموريتانية بعيدة عن هذ الاتجاه، وفي سبيله تبنت الكثير من الاستراتيجيات والقوانين، كان آخر هذه الإستراتيجيات هو الإعلان ـــ الذي تم في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 30/ 12 / 2020 , عن إنشاء مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تدعي " وكالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا"
وتعتبر هذه الخطوة من أهم الخطوات الإصلاحية في مجال السياسة التحفيزية حيث ستلبي الكثير من طموحات المستثمرين فيما يتعلق بمشاريعهم الاستثمارية سواء من ناحية تسهيل إنشاء شركاتهم التجارية أو الحصول على الإفادات الاستثمارية، كما تعتبر هذه الخطوة تطبيقا جيدا للإستراتيجية الوطنية لتنمية القطاع الخاص الممتدة من الفترة 2015 إلى 2025
ونظرا إلى أن موضوع التحفيزات الاستثمارية مهم من الناحية القانونية، فإننا سنلقي نظرة على أهم ما تضمنته القوانين الخاصة بموضوع الاستثمار، ولن يكون الموضوع مجرد سرد للقوانين، بل سنقوم بتحليل ما أمكن منها مع التركيز بشكل خاص على بعضها والمرتبط أساسا بموضوع الاستثمار لنقف على ما تضمنته هذه القوانين مما هو مهم في إطار تشجيع المستثمرين من مختلف الجنسيات ومن مختلف الفئات والمستويات، وبعد ذلك نقدم توصيات نري أنها تعزز من أهمية التحفيزات الاستثمارية والإصلاحات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال.
أولا: النصوص القانونية المؤطرة للاستثمار وحوافزه
يعد دستور البلاد الصادر بتاريخ 20 يوليوا 1991 المراجع سنوات 2006 و2012 و2017 هو الأساس الأول لبناء أي ترسانة قانونية مكتملة ومنسجمة مع تطلعات الدولة في كافة المجلات، تأتي بعده القوانين التنظيمية والعضوية كتجسيد فعلي لمبادئه، وفي هذ السياق وبعد تبني الدولة الموريتانية لبرنامج ممارسة الإعمال المعد من طرف البنك الدولي، تركزت الجهود الإصلاحية في السنوات الأخيرة حول إصدار العديد من القوانين والمراسيم التطبيقية الهادفة إلى تشجيع المستثمر الوطني والأجنبي ومن أهم هذه القوانين:
ـــــ إصدار قانون الاستثمار رقم 052/ 2012 والمرسوم المطبق له رقم 2012 / 285
ـ تعديل مدونة التجارة سنة 2014 و2015 والمراسيم المطبق لها
ـ إصدار القانون رقم 044 / 2010 المتضمن مدونة الصفقات العمومية والمرسوم المطبق له رقم 2017 / 126
ـــ إصدار قانون لحل النزاعات الصغيرة 2017 و2019
ــــ إصدار القانون رقم 2019 – 018 المتضمن للمدونة العامة للضرائب
إصدار القانون رقم 001 /2013 المتعلق بإنشاء المنطقة الحرة
ــــ إصدار القانون رقم 006 / 2017 المتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص والمرسوم المطبق له رقم 2017 / 125
ـــــ إصدار القانون رقم 2017 – 0142 المتضمن مدونة الحقوق العينية
ونظرا لما أشرنا إليه سابقا من محاولة التركيز على بعض هذه القوانين، سبيلا الي معرفة ما تضمنته من الحوافز الاستثمارية والضمانات، فإننا سنقتصر على مدونة الاستثمارات ومدونة التجارة ومدونة الصفقات العمومية وقانون حل النزعات الصغيرة.
1 ــــ القانون رقم 052 / 2012 المتضمن مدونة الاستثمارات
صدر القانون رقم 052/ 2012 المتضمن لمدونة الاستثمارات بتاريخ 31 يوليو 2012 كنتيجة لإصلاحات تم اتخاذها من أجل تحسين مناخ الأعمال، وقد جاء هذا القانون بهدف إرساء ثلاثة محاور رئيسية هي: (الضمانات الخاصة بحقوق وحرية المقاولة ــــ أنظمة الامتياز ـــــ تسوية النزاعات)
ـــــ الضامنات الخاصة بحقوق وحرية المقاولة
ضمن المحفزات الاستثمارية التي تزخر بها المدونة , توجد محفزات ومزايا خاصة بالمقولات التي أنشئت قصد إنجاز مشروع استثماري , وقد جاء في المادة 5 من هذه المدونة أن الدولة الموريتانية تضمن للمقاولات استقرار الشروط القانونية والجبائية والجمركية الممنوحة لمدة عشرين سنة ابتداء من تاريخ منح إفادة الاستثمار , ومع ذلك يستفيد المستثمر تلقائيا من أي تغير ملائم في الشروط الجبائية أو الجمركية خلال فترة صلاحية الاعتماد , ويمكن حصر هذه الحقوق والضمانات حسب القانون المذكور في تسعة أمور هي (حماية الملكية ـــ ضمان استقرار الشروط ـــــ ضمان توفر العملات الصعبة ـــــ ضمان تحويلات رؤوس الأموال ـــــــ ضمان تحويل الأجور ــــ ضمان النفاذ إلي المواد الأولية ـــــ المساواة في المعاملة ـــــ حقوق وحرية المقاولة ـــــ استخدام العمال الأجانب )
ـــــ أنظمة الامتياز
وضعت مدونة الاستثمارات أنظمة للامتياز والتحفيز أعلاها هو اتفاقية التأسيس و أدناها هو نظام المقاولات الصغيرة والمتوسطة وليستفيد المستثمر من الامتيازات الممنوحة بموجب هذه المدونة عليه أن يختار أحد هذه الأنظمة الثلاثة ( نظام المقولات الصغيرة والمتوسطة ـــــ المناطق الاقتصادية الخاصة ـــــ اتفاقية التأسيس ) , وقد وضعت المدونة لكل واحد من هذه الأنظمة حوافز جمركية وضريبية تختلف باختلاف النظام المتبع كما وضعت لكل واحد منهم معيار يحدده وكمثال علي ذلك فإن المادة 16 من المدونة تحدد المعيار الخاص بنظام المقولات الصغيرة والمتوسطة من خلال ثلاثة معايير هي : ( ـــ المعيار الاستثماري ما بين 50 إلي 200 مليون ــــ معيار الخضوع لنظام الربح الحقيقي ــــ المعيار الوظيفي الذي هو عبارة عن خلق عشرة وظائف مباشرة )
ـ تسوية النزاعات
يتضح من أحكام مدونة الاستثمارات أن كل النزاعات الناجمة عن تطبيق هذه المدونة تتم تسويتها وفقا لمبدأ التراضي أولا والتقاضي ثانيا، أو تبعا لاختيار المستثمر أمام المحاكم الموريتانية المختصة وهذا ما تعكسه بوضوح أحكام المادة 30 من المدونة، وعلى هذا يمكن القول بأن النظام الموريتاني يراعي في أحكامه خصوصية المستثمر الوطني و الأجنبي وما يتطلبه استثماره من توفير وسائل بديلة تمكنه من الوصول إلي حقوقه دون كبير عناء , وفضلا عن ذلك فإن النزاعات التي تنشأ بين المستثمرين الأجانب وبين حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية , تمكن تسويتها إما بالتراضي أو التحكيم وذلك عن طريق :
ـــ اتفاق الأطراف
ـــــ الرجوع إلى الاتفاقيات والمعاهدات المتعلق بالحماية المبرمة بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية والدولة التي ينحدر منها المستثمر
ـــ اللجوء إلى مركز الوساطة والتحكيم الخاص بموريتانيا
ـــــ اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية النزعات المتعلقة بالاستثمار
2 القانون رقم 2000/005 المتضمن مدونة التجارة
صدر القانون رقم 2000/ 005 المتضمن مدونة التجارة بتاريخ 18 يناير سنة 2000 والمراجع سنوات 2014 و015 2 والتعديل الجاري والذي تقدم به وزير العدل السيد محمد محمود ولد بية يوم 31/ 12 / 2020 , وتعكس هذه التعديلات في مجملها حرص الحكومة على أهمية الإطار التشريعي وضرورة تحديثه من أجل أن يكون قادرا على مواجهة العراقيل الناجمة عن تخلف الترسانة القانونية، وقد جاء تعديل القانون التجاري سنة 2015 بمجموعة من الإصلاحات من أهمها:
ـــــ تحديد راس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة بصفة حرة من طرف الشركاء
ــ عدم إلزامية توثيق النظام الأساسي بالنسبة للشركات ذات المسؤولية المحدودة
3 ــــ القانون رقم 2010 ــــ 44 المتضمن مدونة الصفقات العمومية
تعد الصفقات العمومية وسيلة من سائل الإدارة ـ, تقوم من خلالها على تأمين حاجيتها، ومع ذلك فهي من أهم المحفزات الاستثمارية عند المستثمر ورافعة قوية للاستثمار، وفي السنوات الأخيرة شهدت تحسنا ملحوظا، تجلي من خلال إصدار القانون رقم 2010 -44 بتاريخ 22 يوليو سنة2010 والمرسوم المطبق له رقم 2017 – 126، ونظرا لأهمية الصفقات العمومية عند المستثمرين، فسوف نشير إلى أهم المظاهر التحفيزية من خلال القانون المذكور :
ـــــ حرية الولوج إلى الصفقات العمومية
تشير المادة 23 من القانون أنه يجوز لكل مترشح يتوفر على الكفاءة الفنية والمالية لتنفيذ صفقة عمومية أن يشارك في إجراء الصفقات العمومية، وفي المقابل لا يجوز للسلطة المتعاقدة في تحديد القدرات الفنية والمالية المطلوبة أن تتخذ أي إجراء تميزي ولاسيما إذا ترتبت عليه عرقلة الولوج الحر إلى الصفقة العمومية.
ـــــ مبدأ علنية العروض في الصفقات العمومية
من دواعي الشفافية في الصفقات العمومية مراعاة مبدأ علنية العروض، وقد ألزمت المادة 26 من القانون رئيس لجنة الصفقات العمومية بالإشراف علي فتح العروض في جلسة علنية، بحضور كل من يرغب من المترشحين أو ممثليهم في الحضور.
4 ــــ القانون رقم 2019 – 21 يتعلق بحل النزاعات الصغيرة
في إطار الإصلاحات المتعلقة بمؤشر الأعمال صدر القانون رقم 2017 -19 بتاريخ 18 يوليو 2017 المنشئ للإجراءات الخاصة بالنزاعات الصغيرة. وكونه لم يستجب للمعايير المطلوبة في حل النزاعات تم إلغاؤه ليحل محله القانون رقم 2019 – 21 الصارد بتاريخ 29/ ابريل /2019 , كما جاء هذا القانون الأخير تنفيذا لخريطة الطريق لإصلاحات مؤشر الأعمال المعتمدة في مجلس الوزراء بتاريخ 31 يناير 2019 , ويتميز هذا القانون الأخير بمجموعة من المميزات المهمة في إطار تسريع وتيرة التقاضي في مجال النزاعات الصغيرة، ويمكن حصرها في النقاط التالية:
ــــ تكريس مبدأ الحضورية في معالجة الدعوي
ــــــ إسناد الاختصاص في النزاعات الصغيرة لرئيس المحكمة أو قاض ينتدبه لهذا الغرض
ـــــ تقليص الآجال القانونية لتبليغ العرائض والرد عليها
ـــــــ تحديد فترة البت في القضايا بأقل من ستين يوما ابتداء من تاريخ فتح الدعوي
ـــــ إضفاء وصف النهائية على الأحكام الصادرة طبقا لهذ القانون
ـــــ تطبيق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل للأحكام الصادرة طبقا لهذا القانون
ـــــ إعفاء الإجراءات و الإبلاغات المقام بها طبقا لهذا القانون من حقوق التسجيل
ثانيا: توصيات مهمة لتطوير مناخ الأعمال
مما لا شك فيه أن مناخ الأعمال لا يمكن أن ينهض إلا على أساس منظومة تشريعية متحركة وخالية من العيوب الناجمة عن صياغة القوانين المؤطرة له ، لذا يبقى من الضروري تفعيل القوانين المتعلقة بالاستثمار ومراجعتها بشكل دائم ، هذا ما يضمن التحسين المستمر لمناخ الأعمال وتعزيز جاذبيته للاستثمارات الأجنبية والوطنية، ولن يتأتى هذا إلا من خلال مراعاة الإطار التشريعي المتعلق بالاستثمار (التوصية الأولي) والمؤسسات الإدارية المسؤولة عن إدارة ملف الاستثمار (التوصية الثانية) والمؤسسات القضائية المسؤولة عن توفير الحماية القانونية والقضائية (التوصية الثالثة)
التوصية الأولي: الإطار التشريعي المتعلق بالاستثمار
تكمن أهيمه الإطار التشريعي في كونه المحدد الذي يتعرف المستثمر من خلاله على الالتزامات الواجبة عليه والضمانات والمزايا الممنوحة له ,وكذا فرص الاستثمار ومدي الكفاءة والمرونة التي يتمتع بها الإطار التشريعي , لذا فإنه من الضروري مراعاة هذه الأمور عند صياغة نص تشريعي أو تنظيمي يتعلق بالاستثمار , كما أنه من الضروري مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية الحالية من خلال وضع ضوابط جديدة ومعايير تراعي خصوصية الواقع الاستثماري للبلد والانفتاح علي الاستثمار الأجنبي , وبناء علي ذلك يلزم أن تكون الجهة المشرفة علي هذه المراجعة مشكلة من ذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص في مجال القانون والاقتصاد
التوصية الثانية: المؤسسات الإدارية المسؤولة عن ملف إدارة الاستثمار
بالإعلان الذي تم في مجلس الوزراء بتاريخ 30/12 / 2020 عن إنشاء مؤسسة عمومية تدعي وكالة ترقية الاستثمار، تصبح هذه الوكالة هي المسؤول المباشر عن إدارة ملف الاستثمار من الناحية الإدارية ونظرا إلى اننا لم نطلع بعد على النظام الداخلي للوكالة لنتعرف على حدود تدخلها في مجال الاستثمار نكتفي بتذكيرها والعمل على تحقيق أهداف اللجنة الوزارية المكلفة بتحسين مناخ الأعمال والمشكلة بتاريخ 26 /03/2020 , وتتمثل هذه الأهداف في:
ــــ تحفيز الإدارات والجهات الفاعلة المعنية بتحسين مؤشرات مناخ الأعمال
ــــــ تنسيق تنفيذ إصلاحات مناخ الأعمال،
ـــــ تشجيع التشاور والحوار مع القطاع الخاص
ــــــ تنسيق مشاركة موريتانيا في منتديات الاستثمار الإقليمية والدولية،
ـــــ إدارة تواصل فعال حول مناخ الأعمال وفرص الاستثمار في موريتانيا
ـــــ تحديد اهتمامات الفاعلين الاقتصاديين فيما يتعلق بالاستثمار
التوصية الثالثة: المؤسسات القضائية المسؤولة عن توفير الحماية القضائية للمستثمر
ليست المخاطر الاقتصادية هي ما يهم المستثمر فحسب وإنما مسألة الأمن القانوني هي ما يؤرقه ويشغل باله بالدرجة الأولى، ويعني الأمن القانوني بالنسبة له توفير مناخ قانوني مطمئن يجد فيه كل الآليات القانونية المحفزة على الاستثمار خصوصا القانون التجاري باعتباره القانون الذي يحكم التاجر والأعمال التجارية. ويعتبر القضاء التجاري هو الجهة المسؤولة عن توفير هذه الحماية
وزيادة على ما تم إنجازه في سبيل تدعيم الحماية القانونية للمستثمر عن طريق المراجعات المتعددة لمدونة التجارة وقانون حل النزاعات الصغيرة، ونشر الأحكام والقرارات الصادرة عن مختلف درجات المحاكم التجارية على موقع خاص على الإنترنت، يبقى من الضروري مواصلة العناية بهذا القضاء لكونه الجهة التي يلجأ إليه المستثمر لفض نزاعاته الاستثمارية المتعلقة باستثماره، ويفضل أن تكون هذه العناية من خلال:
ـــــ تحسين خبرات الفاعلين في ميدان القضاء التجاري من قضاة وكتاب ضبط
ـ تحسين قدرات أعوان القضاء في مجال القضاء التجاري (المحامون _ العدول المنفذون _ الموثقون – الخبراء القضائيين)
ــــ مراجعة الأنظمة التجارية وإعادة صياغتها وإصدارها في مدونة واحدة
إبراهيم الب خطري
باحث في مجال قانون الأعمال
ممثل المحكمة التجارية بنواكشوط لدي الشباك الموحد المكلف بمسك السجل التجاري