واجب تعهيد محام للمتهم والمتقاضي في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني
واجب تعهيد محام للمتهم والمتقاضي في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني
بقلم: فضيلة الثاضي محمد ينج ولد محمد محمود
يعتبر الحق في تعهيد وكيل خصومة جائزا حسب المشهور في الشريعة الإسلامية سواء كان المتقاضي طالبا (مدعيا) أو مطلوبا (مدعى عليه ) مع أنّ فيها من يقول بعدم جواز تعدد وكلاء الخصومة وكذلك من يقول باشتراط قبول الخصم للتوكيل ما لم يكن الموكل له عذر مثل أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه بينما لم ير ذلك تلامذته كما أنّ الحقّ في تعهيد أيّ من أطراف القضية ومهما كنت هذه القضية لمحام من الحقوق الأساسية المسموح بها في كلّ التشريعات حسب علمي المتواضع بما في ذلك التشريع الوطني الذي نصّ على هذا الحقّ في عدة مواد منه منها على سبيل المثال لا الحصر:
-المادة 7.من ق ت ق التي جاء فيها: (لا تجوز محاكمة أي شخص ما لم يمكن من تقديم وسائل دفاعه. ويعتبر الدفاع حرا وكذلك اختيار المدافع.)
-ما يشي به نص المادة:61 من ق إ م ت إ من أنّه يجوز توكيل أيّ شخص ما لم تنطبق عليه شروط المنع الواردة فيها وهي:
1-كونه ممنوعا من الشهادة أمام القضاء
2-كونه أدين بسرقة أو خيانة أو تفالس
3-كونه من المحامين المشطوب عليهم
4-كونه من المأمورين العموميين
- ما نصت عليه المادة 370. من ق إ ج التي جاء فيها أن:( للمتهم أن يستعين بمحام .. ) هذا بالإضافة إلى نصّ عدّة اتفاقيات دولية عليه أحالت عليها مقدمة الدستور إحالة بموجبها أصبحت جزء منه وذلك مثل العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي جاء فيه أنّ للشخص الدفاع عن نفسه كما أنّ له الحقّ في أن يختار من يدافع عنه وأنّ على المحكمة إشعاره بذلك والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي جاء في المادة:7 منه أنّ حقّ التقاضي مكفول للجميع بما في ذلك حقّ الدفاع و حرية اختيار المدافع بل إنّه انطلاقا من هذه القواعد حسب تفسير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يجب أن يمنح للشخص ومحاميه وقتا كافيا لإعداد هذا الدفاع ممّا يجعل الحقّ في أن يعهد الشخص المتقاضي أو المتهم محاميا على حسابه ليس محلّ إشكال فمحلّ الإشكال الذي سنتناول هنا هو مدى إلزام الدولة بتوفير محام للمتقاضين على أرضها وسنتعرض له أعني موضوع الحق في الحصول على محام أو واجب توفير محام لمن لم يعهد لنفسه محاميا في فقرتين نخصص أولاهما لمصادر هذا الحقّ في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني بينما نخصص الثانية منهما لآثار المساس بهذا الحقّ في كلّ منهما
الفقرة الأولى: مصادر واجب توفير محام في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني
سنقسم هذه الفقرة إلى نقطتين نخصص أولاهما (α) للحديث عن مصادر الحق في الحصول على محام في الشريعة الإسلامية بينما نخصص الثانية (β) منهما للحديث عن مصادر هذا الحقّ في التشريع الوطني
α-مصادر واجب توفير محام في الشريعة الإسلامية
لا جدال في أنّ مبدأ الحقّ في الحصول على محام من الحقوق التي تمّ الاعتراف بها حديثا للمتهمين والمتقاضين بصفة عامة لكنّ ذلك لا يمنع من القول بأنّ الشريعة الإسلامية عرفت أمورا قريبة منه أو يستنتج منها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
-تلقين الطرف الضعيف لحججه من طرف القاضي الذي أشار إليه ابن عاصم في تحفته بقوله:
وخصم إن يعجز عن إلقاء الحجج ** لموجب لقنها ولا حرج
ذلك أنّهم أجازوا للقاضي أن يلقن الطرف الضعيف الجاهل الحجة وهو ما ينم عن إدراك الفقهاء لعجز بعض الخصوم عن إبلاغ حججهم وأنّ من المتطلبات الضرورية لتحقيق العدالة أن يساعد هذا النوع من المتقاضين في الحصول على طريقة تمكنه من إيصال حججه للقاضي أو المحكمة على الوجه المطلوب ولن توجد طريقة لذلك المبتغى أكثر جدوائية من توفير محام له يدافع عنه ويعرض حججه بطريقة فنية أمام المحكمة ويكون هذا واجبا في الفترة المعاصرة التي يمنع فيها قانونا على القاضي هذا التلقين خاصة في المجال المدني
-تقرير وجوب العدالة: تطبيقا لقوله تعالى: ((إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان)) ((إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نعمّا يعظكم به إنّ الله كان سميعا بصيرا)) يوجبان على الأمة تنصيب قضاة للحكم بالعدل بين أفرادها والقاطنين بين ظهرانيها في ما ينشأ بينهم من منازعات ولمّا كان من اللازم لتحقيق هذا الغرض نظرا لتعقد الإجراءات أمام المحاكم سواء المدنية منها أو الجزائية وما يترتب في بعض الأحيان من بطلان وسقوط على مخالفة بعض هذه الإجراءات أو التأخر في ممارستها كان الحفاظ على عدالة المحكمة ومختلف الإجراءات التي تقوم بها ويقام بها أمامها يتطلب أن توفر الدولة المسلمة للمتقاضي فيها محاميا يدافع عنه خاصة إذا كان ممّن سيضره عدم توكيل مدافع عنه ويتعزّز هذا المذهب في حالة ما إذا كان المشرع فرض توكيل محام في بعض درجات التقاضي ولم يكن المتقاضي في وضع مادي يسمح له بدفع تكاليف أجرة المحامي أو رفض توكيله لافتراض أنّ حقوق الدفاع ستتضرّر من ذلك ولا يتعارض هذا مع حرمة نصرة الظالم المستفادة من كثير من النصوص الشرعية ذلك أنّ المؤازرة هنا هدفها أن يساعد المتقاضي ويعمل على أن لا يحكم عليه بأكثر ممّا يجب أن يحكم عليه به قانونا هذا في المجال المدني أمّا في المجال الجزائي فيستفاد من السنة أنّه يجب على المجتمع أن يساعد المتهم خاصة بانتهاك حدّ من حدود الله في ممارسة دفاعه بشكل أمثل ذلك أنّ توفير المحامي في هذه الحالة يمكن أن يكون من باب التعاون على البرّ والتقوى الذي أمر به جلّ وعلا في قوله: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ...) كما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نقل عنه ما يشي بأنّه لقن متهمة بالسرقة حجة تقيها تطبيق حدّ السرقة عليها عندما قال لها صلى الله عليه وسلم هل سرقت؟ قولي لا ومثل ذلك ورد في حديث آخر في سنن النسائي جاء فيه أنّه صلى الله عليه وسلم أتاه قوم بسارق اعترف ولم يوجد معه شيء فقال له صلى الله عليه وسلم (ما إخالك سرقت؟ ) فقال السارق بلى يا رسول الله وهذا الحديث يقال إنّه ضعيف لكنّ الحديثين يعزّز بعضهما بعضا و بنى عليهما البعض ندب تلقين الإمام المتهم ما يسقط عنه الحدّ هذا بالإضافة إلى أنّ مذهب درء الحدود بالشبهات يشفع لصحة الحديثين وورودهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
β-مصادر واجب توفير محام في التشريع الوطني
لأنّ مبدإ واجب توفير محام للمتهم من الحقوق الأساسية المعترف له بها كما سبقت الإشارة إلى ذلك كانت مصادره في التشريع الوطني متعددة منها ما هو دولي وهذا ما سنتناول في (ا) ومنها ما هو وطني وهذا ما سنتعرض له في(ب)
ا- مصادر واجب توفير محام في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا
صادقت موريتانيا على عدّة اتفاقيات دولية تكرس هذا الحقّ وذلك مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية السياسية
1-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: جاء في البند (1) من المادة:11 منه أن (كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه) ورغم أنّ هذا النص لم يتضمن صراحة وجوب توفير محام للمتهم إلا أنّه تضمن ذلك تلميحا نظرا لنصّه على وجوب تأمين الضمانات الضرورية لحقوق الدفاع التي يقع على رأس لائحتها واجب توفير محام نظرا لأنّ المتهم لن يتمّ الدفاع عنه بشكل يضمن حقوقه إلا بتوفير محام له ويبدو أنّ هذا الإعلان انشغل بالدعوى الجزائية عن الدعوى المدنية كما يشار إلى أنّه يعتبر جزء من الدستور الوطني
2-العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية: الذي جاء في البند (د) من الفقرة الثالثة من المادة: 14منه أنّ من حقوق المتهم (أن تزوده المحكمة .... بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر)
وإذا كان العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية قد قرّر بشكل لا ريب فيه واجب توفير محام للمتهم فإنّ تقريره له يثير ملاحظات منها:
-أنّه مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انشغل بالدعوى الجزائية عن الدعوى المدنية
- أنّ نصّ العهد لم يوجب توفير محام للمتهم إلا في حالة ما إذا كان عاجزا عن توفيره لنفسه وهذا المذهب لا يتقاسمه معه التشريع الوطني الذي فرض حضور محام في المادة الجنائية وهذا ما يشي به نصّ المادة:288 من ق إ ج التي جاء فيها أنّ حضور مدافع عن المتهم أمر لازم في المجال الجنائي وفي مواد أخرى سيتم التعرض لها لا حقا
-أنّه جعل توفير المحامي حقّا للمتهم وواجبا على المحكمة
ويشار إلى أنّ جميع مواد العهد تعتبر جزء من الدستور الوطن
3-الميثاق العربي لحقوق الإنسان : و نصت المادة: 13 منه على أنّه: ( تكفل كل دولة طرف لغير القادرين ماليا الإعانة العدلية للدفاع عن حقوقهم ) كما جاء في المادة: 14 منه أنّه يجب على الدول الأطراف فيه أن تكفل لكلّ شخص (حقه في الاستعانة مجاناً بمحام يدافع عنه إذا تعذر عليه القيام بذلك بنفسه أو إذا اقتضت مصلحة العدالة ذلك،)
ب- المصادر التشريعية الوطنية لواجب توفير محام
يشار إلى أن التشريع الوطني كرس حقّ اللجوء إلى المحامي وفرض توفيره بصوت عال في قانون الإجراءات الجنائية وقانون الحماية الجنائية للطفل كما سبقت الإشارة إلى ذلك لكنّنا لم نجد لهذا الحق تكريسا واضحا في المادة المدنية وعموما سنتناول الحقّ في الحصول على محام في المادة الجزائية في (ᴵ) بينما نتناوله في المادة المدنية في (ᴵᴵ)
ᴵ -مصادر مبدإ واجب توفير محام في المادة الجزائية
تتوزع مصادر وجوب توفير المحكمة للمتهم محام في المادة الجزائية بين عدّة نصوص من أهمّها قانون قانون مناهضة التعذيب وقانون الإجراءات الجنائية وقانون الحماية الجنائية للطفل كما أنّه مفروض في مراحل متعددة من الإجراءات وذلك على النحو التالي:
1-مرحلة الحراسة النظرية: وذلك بالنسبة للقاصر حيث نصت المادة:103 من ق ح ج ط على أنّه: ( تجب الاستعانة بمحام في طور الحراسة النظرية ويجب على الضابط أن يستمع للطفل بحضور محاميه الذي له أن يدلي بملاحظات يتم تسجيلها في المحضر الذي يجب أن يوقعه) كما أنّ للبالغ انطلاقا من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب أن يعهد لنفسه محام وأن يطلب فيها الاستفادة بشكل سريع من المساعدة القضائية ومن الاصال بشخص يساعده في إعداد دفاعه
2-التحقيق الإعدادي الذي يقوم به قاضي التحقيق:ويعتبر التحقيق وجوبيا تطبيقا للمواد:71 -101 من ق إ ج والمادة: 110 من ق ح ج ط في عدّة حالات منها:
*الجنايات المعاقبة بالإعدام أو تلك المعاقبة بالسجن ثلاثين سنة فما فوق تطبيقا للمادة:71 ق إ ج
*الجنايات المرتكبة من طرف معوق يحتمل أن تؤثر إعاقته على دفاعه تطبيقا للفقرة الرابعة من المادة: 101 من ق إ ج التي بعد أن نصت على وجوب الاستعانة بالمحامي في المادة الجنائية نصت على أنّه ( إذا كان المتهم مصابا بعائق يؤثر على دفاعه. في هذه الحالة إذا لم يختر المشتبه فيه محاميا يعين له القاضي محاميا بصفة تلقائية.) وانطلاقا من عموم كلمة القاضي الواردة هنا تكون شاملة لقاضي الحكم وقاضي التحقيق
*الجرائم المرتكبة من طرف القصر تطبيقا للمادة:110 من ح ج ط
وخارج هذه الحالات يعتبر التحقيق اختياريا كما هو الحال بالنسبة لأي قضية يقرر وكيل الجمهورية إحالتها لقاضي التحقيق ليحقّق فيها حتى ولو كانت مخالفة نظرا لأن المادة:105 من ق إ ج جاء فيها أنّه: (لا يجوز سماع المتهم أو الطرف المدني أثناء التحقيق أو إجراء مواجهة بينهما إلا بحضور محاميهما) وبما أن قاضي التحقيق يتجسد عمله في الاستجوابات والمواجهات وهذه لابد من حضور المحامي لها حسب المادة:105 السابقة التي نصّ فقرتها الأخيرة على أنّ: (الشكليات المقررة في هذه المادة ليست إلزامية:
- في الحالة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 102؛
- إذا كان المعني أو الطرف المدني قد تخلى عنها صراحة؛
- وفي حالة استعجال ملح ناتج عن حالة شاهد أو متهم آخر مهدد بالموت أو وجود علامات على وشك الاختفاء؛
- إذا كان المحامي لا يقيم بمقر المحكمة إلا إذا طلب صراحة حضور استجواب موكله.)
وعموما يجب توفير المحامي للمتهم في طور التحقيق انطلاقا ممّا:
- نصت عليه المادة:101 المتعلقة بالمثول الأول أمام قاضي التحقيق التي جاء فيها أنّه : (تجب الاستعانة بالمحامي في الميدان الجنائي أو إذا كان المتهم مصابا بعائق يؤثر على دفاعه. في هذه الحالة إذا لم يختر المشتبه فيه محاميا يعين له القاضي محاميا بصفة تلقائية.)
-نصت عليه المادة:105 من ق إ ج من أنّه (لا يجوز سماع المتهم أو الطرف المدني أثناء التحقيق أو إجراء مواجهة بينهما إلا بحضور محاميهما، ما لم يتنازلا عن ذلك صراحة، أو بعد دعوتهما قانونا. يجب أن يذكر هذا التنازل في أول المحضر.) هذا ما لم يكن المحامي الذي اختاره الطرف يوجد مقره خارج مقرّ المحكمة ولم يطلب حضور الاستجواب ويشار إلى أنّ المادة:102 نصت على أنّه يمكن لقاضي التحقيق في حالة الضرورة أن يستجوب المتهم أو أن يجري مواجهة بينه مع شاهد أو متهم آخر غير أنّه يجب أن يبين هذه الضرورة التي دعته إلى ذلك وهو يخضع في تقديرها لرقابة غرفة الاتهام
-نصت عليه المادة:110 من ق ح ج ط من أنّه عند مثول الطفل أمام قاضي التحقيق فإنّه يشعره هو وذويه بضرورة انتداب محام فإن لم ينتدب له محام (فإن القاضي يأمر بانتداب محام معين من طرف نقيب الهيئة الوطنية للمحامين أو ينتدب هو نفسه محاميا عن الطفل وفقا لأحكام المادة 103.) لكن هل يجب أن يحضر المحامي فعلا لكلّ مرحلة من مراحل التحقيق أو أن يستدعى لها على الأقلّ ليكون هذا التحقيق صحيحا أي غير باطل أو قابل للإبطال ؟ وفي ضوء صمت نصوصنا الوطنية وعدم توفر اجتهاد قضائي وطني فإنّه لا مناص من اللجوء إلى المعتمد في الاجتهاد القضائي الذي ولد في أحضان منظومة قانونية تعد مصدرا موضوعيا وتاريخيا لتشريعنا الوطني مثل فرنسا الذي يميز فيها في إطار توفير محام للمتهم بين عدّة حالات تتعلق بموقف المتهم عند إشعار قاضي التحقيق له بأنّ له الحقّ في أن يستعين بمحام أثناء مثوله الأول وذلك على النحو التالي:
* إذا قال إنّه يرفض أن يوكل له محاميا وسيدافع عن نفسه تركه القاضي وواصل معه الإجراءات
* إذا قال المتهم بأنّ له محاميا يريد استدعاءه فيما بعد تركه حتى يذكر اسمه وواصل معه الإجراءات
* إذا قال إنّه ليس له محام ولا يملك موارد تسمح له بتعهيد محام وطلب من القاضي أن يعهد له محاميا ما عهد له قاضي التحقيق محاميا
* إذا قال إنّه لم يتخذ موقفا بعد في الموضوع تركه وواصل إجراءات التحقيق معه دون محام مفترضا أنّه يرفض توكيل محام بصفة ضمنية
3-أثناء المحاكمة أي التحقيق النهائي الذي تقوم به المحكمة
ويمكن التمييز في هذا الإطار بين حالات مختلفة وذلك على النحو التالي:
•أمام المحاكم الخاصة بالقصر: لم يفرض القانون بشكل صريح أو على الأقل بمواد خاصة وجوب توفير محام للمتهم القاصر غير أنّ وجوب توفير محام له أمام هذه المحاكم يستنتج من فرض المشرع توفير محام له في طور الحراسة النظرية طبقا للمادة:103 من ق ح ج وفي إطار التحقيق الإعدادي تطبيقا للمادة:110 من ذات القانون
•- أمام الغرفة الجزائية (محكمة الجنح): تعد محكمة الجنح هي الاستثناء الوحيد من واجب توفير محام غير أنّه يجب أن يوفر للمتهم أمامها محاميا وذلك في حالات منها على سبيل المثال لا الحصر:
- المتهم المصاب بإعاقة يحتمل أن يتأثر بها دفاعه: وهذه الحالة تستنتج من توخي العدالة وروح الفقرة الرابعة من المادة:101 من ق إ ج وكذلك المادة:377 من ذات القانون
- شاهد الزور: على رئيس محكمة الجنح أن يعين محاميا للشاهد الذي ثبت زور شهادته في الجلسة تطبيقا للفقرة الخامسة من المادة:417 من ق إ ج
ونشير إلى أنّه تطبيقا للمادة:377 لرئيس محكمة الجنح أن يعين محاميا للمتهم الذي ليس له محام متى رأى ذلك ويجب التنبيه هنا إلى أنّ التعهد أمام محكمة الجنح قصرته الفقرة الثانية من هذه المادة على المحامين وهو أمر يتعذر الالتزام به نظرا لندرة تواجد هم في داخل البلاد خاصة في الولايات النائية
•- أمام المحكمة الجنائية : جدير بالذكر أنّه بعد صيرورة قرار الإحالة أمام المحكمة الجنائية نهائيا وقبل انعقاد الدورة الجنائية التي برمج فيها ملف المتهم يجب أن يتمّ ما يعرف بالاستجواب التحضيري الذي يتأكد القاضي الذي يقوم به خلاله من أنّ المتهم قد انتدب محاميا للدفاع عنه فإن لم يكن قد انتدبه انتدب له هو محاميا للدفاع عنه أمام المحكمة الجنائية تطبيقا للمادة:257 من ق إ ج كما أنّه (ليس لغرفة الاتهام أن تحيل المتهم إلى المحكمة الجنائية إلا بعد التأكد من أنه قد استعان بمحام....) وفي حالة عدم توفر المتهم على محام (تأمر بأن يعين له محام تلقائيا حسب الشروط الواردة في المادة 104 وأن يقام بالإجراءات طبقا لمقتضيات المادة: 173 وما بعدها) وتطبيقا للفقرة الثانية من المادة:209 من ق إ ج
وهذا ما يتضح منه أنّه يجب أن يوفر للمتهم محام في المراحل التالية من المحاكمة وذلك انطلاقا من:
- ما نصت عليه المادة: 288 من أنّ: (... حضور مدافع عن المتهم أمر إلزامي. إذا لم يحضر المدافع المختار أو المعين فللرئيس أن يعين واحدا من تلقاء نفسه.) وتشير المادة:290 إلى أنّه إذا لم يكن من الممكن الاستماع إلى المتهم داخل الجلسة نتيجة لظروفه الصحية فإنّه يتم الاستماع إليه مصحوبا بمحاميه في السجن الذي يوجد فيه بواسطة قاض منتدب لذلك من طرف المحكمة ويكون القاضي مصحوبا بكاتب ضبط ويقرأ كاتب الضبط هذا المحضر في الجلسة كلّ ذلك ما لم يكن من الممكن تأجيل القضية إلى جلسة لاحقة و لا شكّ أنّ إلزامية حضور المحامي لهذا الإجراء تشي بإدراك المشرع لعلاقة وجود المحامي بصيانة حقوق الدفاع وعدم إمكانية صيانة هذه الحقوق بالشكل المطلوب في غيابه كما يجب على رئيس المحكمة الجنائية تطبيقا للفقرة الثانية من المادة:312 من ق إ ج أن يعين محاميا لمن ثبت زور شهادته في الجلسة عند محاكمته له بعد نطقه بالحكم في أصل القضية التي هي مناسبة شهادة الزور
•- أما محكمة الاستئناف: وهذه يجب أن يوفر أمامها للمتهم محام ما لم ينتدب محاميا لنفسه وذلك لأنّ المشرع فرض اللجوء لخدمات المحامي أمامها
•-أمام المحكمة العليا: وهذه ينطبق عليها ما ينطبق على محكمة الاستئناف بجامع فرض المشرع للجوء لخدمات المحامي أمام كلّ منهما
ᴵᴵ-مصادر واجب توفير محام في المادة المدنية
باستثناء ما جاء في المادة: 229 من القانون رقم:17/2004 المتضمن مدونة الشغل من أن العامل يتمتع بالمساعدة القضائية بشكل تلقائي وما جاء في المادة: 13 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي من أنّه: ( تكفل كل دولة طرف لغير القادرين ماليا الإعانة العدلية للدفاع عن حقوقهم ) و المادة: 14 منه من أنّه يجب على الدول الأطراف فيه أن تكفل لكلّ شخص (حقه في الاستعانة مجاناً بمحام يدافع عنه إذا تعذر عليه القيام بذلك بنفسه أو إذا اقتضت مصلحة العدالة ذلك،) لم ينص التشريع الوطني بشكل مباشر -حسب علمي المتواضع- على وجوب توفير محام للمتقاضي في المادة المدنية غير أنّ هذا لا يعني عدم وجوب توفيره له في المادة المدنية ذلك أنّ وجود هذا الواجب في تشريعنا يستشف من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والمبادئ العامة للقانون المعمول بها في البلد وذلك مثل:
1-مبدأ الحقّ في اللجوء للقضاء: يفرض هذا المبدأ على كل دولة أن توفر الأمور اللازمة لوصول أيّ متقاض إلى قضائها ليعرض عليه كلّ مزاعمه المتعلقة بالدفاع عن حقوقه التي يعتقد أنّها تمّ المساس بها من طرف الآخرين سواء كانوا سلطات أو أشخاصا عاديين ولن يتحقق ذلك ما لم يوفر له محام خاصة إذا كان المحامي سمح له القانون باحتكار المرافعة أمام المحاكم التي سيعرض عليها المتقاضي مزاعمه كما هو الحال عندنا بالنسبة لمحكمة الاستئناف والمحكمة العليا خاصة أنّ هذه الأخيرة تبتّ نهائيا وابتدائيا في بعض القضايا كما نشير إلى أنّ القانون رقم:30/2015 المنظم للمساعدة القضائية في المجال المدني نصت المادة:1 منه على الشروط التي بتوفرها يمكن للمواطن الحصول على المساعدة القضائية بينما نصت المادة:2 منه على أن الأجنبي لا يستفيد من المساعدة القضائية إلا في حالة المعاملة بالمثل أو استجابة لاتفاقية دولية
2-مبدأ ضمان توفير محاكمة عادلة: انطلاقا من وظائف الدولة وضرورة قيامها بواجباتها إزاء مواطنيها والقاطنين بها والالتزامات الملقاة على عاتقها طبقا للاتفاقيات الدولية التي تضع على كاهلها توفير محاكمة عادلة للاجئين إلى قضائها يكون من الواجب عليها توفير محام لمن لا يمكنه توفير أجرته نظرا لتواضع دخله تطبيقا لمبادئ صيانة حقوق الدفاع وحرصا على تكافؤ الفرص وهذا ما يحدث في الدول الحديثة عن طريق اعتماد قوانين تتضمن شروط الحصول على المساعدة القضائية والتي من ضمنها القانون رقم:30/2015 الذي سبقت الإشارة إليه أعلاه ويشار إلى أنّه انطلاقا من اجتهاد المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان الذي تضمنه قرار صادر عنها بتاريخ:09/10/1979 معروف باسم Airey c/ Irlande يجب توفير محام للمتقاضي في المجال المدني متى تطلبت ذلك مقتضيات العدالة حتى في الحالة التي يكون فيها اللجوء لخدمات المحامي غير مفروض قانونا أمام المحكمة المعروض أمامها النزاع .
الفقرة الثانية: آثار المساس بواجب توفير محام في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني
سنقسم هذه الفقرة إلى نقطتين نخصص أولاهما (α) لآثار المساس بواجب توفير محام للمتقاضي في الشريعة الإسلامية بينما نخصص الثانية (β) منهما لآثار المساس بهذا الواجب في التشريع الوطني
α-آثار المساس بواجب توفير محام في الشريعة الإسلامية
تعتبر الشريعة الإسلامية منظومة من القيم المتراصة الهادفة إلى صيانة المصالح الدنيوية والأخروية ويفترض أنّ المساس بأحد المثل التي تتأسس عليها هذه الشريعة على درجة عالية من الخطورة بالنسبة لها خاصة إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس ممّا يمكن معه أن نذهب إلى أنّ آثار تخلف توفير محام للمتقاضي في الشرعة الإسلامية هو بطلان الحكم وربما التعويض لصاحبه عن الأضرار التي لحقت به من خلال عدم توفير محام له وهذا ما تمكن البرهنة عليه انطلاقا من الأمور التالية:
-إذا كانت العدالة وإقامة العدل بين الناس أحد الأهداف السامية للشريعة الإسلامية وهي كذلك فعلا وكانت عدالة إجراءات التحقيق والمحاكمة تتطلب توفير مدافع عن المتهم كان توفير المدافع للمتهم ممّا لا يتم الواجب إلا به (وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) والتخلي عنه يشكل حرمانا للمتهم من حقّ له وحرمان أيّ شخص من أيّ حقّ له بدون مسوغ شرعي يكون ظلما له خاصة إذا نجم عنه ضرر له وبالتالي يكون الحكم المبني على ظلم باطل تطبيقا لقاعدة (ما بني على باطل فهو باطل) وسواء تعلق الأمر بالمجال الجزائي أو المدني لأن الفقه الإسلامي القديم لا يفرق بين القضاء المدني والجزائي
-تطبيقا لقاعدة: (لا ضرر ولا ضرار) يكون عدم توفير محام للمتقاضي مهما كان يلحق ضررا به وبالتالي يعتبر ظلما ذلك أنّه من الشقّ الأول للقاعدة (لا ضرر) يحرم على الفرد والمجتمع الإضرار بأيّ كائن من كان وإذا كان ذلك كذلك وكان عدم توفير محام للمتهم للدفاع عنه ينشأ عنه ضرر له فلا جدال في أنّ عدم توفيره له هنا سيكون ظلما له والظلم ممنوع شرعا وبالتالي فإنّ أي حكم مبني على ظلم للمتهم يكون باطلا تطبيقا لقاعدة (ما بني على باطل فهو باطل) وسواء تعلق الأمر بالمجال الجزائي أو المدني لأن الفقه الإسلامي القديم لا يفرق بين القضاء المدني والجزائي كما سبقت الإشارة إلى ذلك
وعموما يمكن القول بأنّ الحقّ في توفير المحامي من الحقوق الحديثة التي أدى إلى الاعتراف بها تطور مفهوم حقوق الدفاع ولا مثيل لها في الفقه الإسلامي القديم الذي يشي تفحصه بأنّه كان في معظمه ينظر إلى المتهم باعتباره مذنبا وعدوا لله ورسوله على خلاف نظرة النبي صلى الله عليه وسلم للمتهم الذي كان ينظر إليه حتى لو كان متهما بانتهاك حدّ من حدود الله ومعترفا بانتهاكه له نظرة رحمة كما يتضح ذلك من حديث ماعز وحديث المرأة السارقة التي قال لها صلى الله عليه وسلم: (أ سرقت ؟ قولي لا ) كما سبقت الإشارة إلى ذلك هذا بالإضافة إلى أنّ واجب توفير العدالة للرعية من الواجبات الأساسية على الدولة الإسلامية وقد أصبح الآن توفير المحامي من الأمور التي يقتضيها فعلا العمل على تحقيق العدالة ممّا يعني أنّه إذا لم يوفر للمتهم محاميا للدفاع عنه كان الحكم باطلا أو على الأقل قابلا للإبطال في الشريعة الإسلامية
β-آثار المساس بواجب توفير محام في التشريع الوطني
تختلف حدّة الأثر المترتب على عدم توفير محام في التشريع الوطني بحسب ما إذا كانت القضية جزائية وهذا ما سنتناول في (ا) أو مدنية وهذا ما سنتعرض له في (ب)
•- القضايا الجزائية: الأصل في المادة الجزائية في ما يبدو نتيجة لخطورتها التي نجمت عنها ضرورة صيانة حقوق الدفاع فيها وجوب توفر محام للمتهم خاصة إذا نصّ القانون على ذلك وأنّه يجب أن يكون الأثر المترتب على عدم توفيره هو البطلان المطلق نظرا لتعلق توفير المحامي ليس بتحقيق مبادئ المحاكمة العادلة فحسب وإنّما أيضا بالإدارة الحسنة للإجراءات وزرع المصداقية في العمل القضائي في مختلف أوجهه وتجلياته المتعددة وعموما يمكن التمييز بين آثار واجب توفير محام للمتهم خلال المراحل التالية:
1-أثناء الحراسة النظرية: ويمكن التمييز في إطارها بين حالتين:
-بالنسبة للمتهم البالغ:لم ينص القانون على وجوب توفير محام للمتهم البالغ أثناء الحراسة النظرية ما لم يطلب هو ذلك حسب المستفاد من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وإن كان أجاز له الاستعانة به
-بالنسبة للمتهم القاصر: يجب أن يوفر للمتهم القاصر محام أثناء الحراسة النظرية ويعهد المحامي المنتدب للقاصر في هذه المرحلة من طرف وكيل الجمهورية ما لم ينتدب له أهله محاميا تطبيقا للمادة: 103 من ق ح ج ط وفي هذه الحالة فإن أثر عدم انتداب محام للطفل أثناء الحراسة النظرية هو بطلان المحضر أو قابليته للإبطال وذلك لورود عبارة يجب في هذه المادة مرّتين وذهاب الغرف المجمعة في قرارها المبدئي المدني رقم:22/2013 الصادر بتاريخ: 19/06/2013 إلى أن ورود كلمة يجب في أيّ نصّ يجب أن يفهم منها أنّه لا يمكن أن يقال بأنّ مقتضياته ليست من النظام العام في المجال المدني واعتماد هذا المذهب يكون من باب أولى في المادة الجزائية.
2-أمام محاكم التحقيق: أثناء التحقيق الإعدادي الذي يقوم به قاضي التحقيق المكلف بقضايا القصر أو قاضي التحقيق وفي هذه المرحلة يجب أن يوفر محاميا للمتهم غير أنّه يمكن التمييز بين حالتين:
-حالة المتهم القاصر: وهذا يجب أن يوفر له محاميا أثناء التحقيق الإعدادي ما لم ينتدب له أهله محاميا وذلك تطبيقا للمادة:110 من ق ح ج ط التي أحالت إلى طرق الانتداب المنصوص عليها في المادة:103 من ذات القانون ممّا يعني أنّ أثر عدم انتداب محام له أثناء التحقيق هو بطلان التحقيق بطلانا مطلقا نظرا لأنّ حضور الدفاع بالنسبة له أساسي ذلك أنّه يفترض فيه عدم القدرة على الدفاع عن نفسه بالشكل المطلوب افتراضا غير قابل لإثبات العكس هذا إن لم ينتدب له أهله محاميا
-حالة المتهم االبالغ: ويمكن التمييز في إطار الحديث عنه في هذا المجال بين حالتين:
• حالة المتهم المعاق إعاقة يمكن أن تؤثر على دفاعه: وهذا حكمه كحكم القاصر في كلّ الأمور انطلاقا من نصّ وروح الفقرة الرابعة من المادة:101 من ق إ ج
•حالة المتهم السليم: وهذا يجب على المحكمة في طور التحقيق أن توفر له محاميا عندما يطلب من القاضي توفيره له في الظروف سالفة الذكر وجزاء عدم توفير المحامي في هذه الحالات يكون هو البطلان المطلق أو النسبي ويشار إلى أنّه متى كان للمتهم البالغ محام سواء كان معينا من طرف القاضي المحقّق معه أو منتدبا من طرفه هو فإنّه حينئذ يجب أن يحضر هذا المحامي أيّ استجواب أو مواجهة يقام بها في إطار التحقيق مع موكله انطلاقا من ظاهر نصّ المادة: 105 سابقة الذكر أو يستدعى بشكل صحيح لأي استجواب لزبونه أو مواجهة بينه هو وشاهد أو طرف مدني ما لم يتنازل المتهم عن ذلك أو كان المحامي لا يقيم بمقر المحكمة ولم يطلب حضور هذا الاستماع أو المواجهة وجزاء مخالفة هذه الإجراءات المنصوصة في الفقرة الرابعة من المادة:101و مقتضيات المادة:105 هو البطلان النسبي الذي يمكن لمن تقرّر لصالحه التنازل عنه أو التمسك به تطبيقا للمادة:169 من ق إ ج هذا بالإضافة ّإلى أنّ المادة:170 من ذات القانون لمّحت إلى إمكانية إثارة هذه العيوب من طرف قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية وغرفة الاتهام
2-أمام محاكم الموضوع والمحكمة العليا: يجب أن يوفر للمتهم محام أمام محاكم الموضوع والمحكمة العليا مع استثناء من ذلك وذلك على النحو التالي:
*أمام المحاكم الخاصة بالقصر: نتيجة لحاجة القاصر إلى المؤازرة لأنّه يفترض فيه عدم قدرته على الدفاع عن نفسه بالشكل المطلوب و نصّ المشرع على وجوب توفير محام له له في مرحلة الحراسة النظرية طبقا للمادة:103 من ق ح ج ط وفي مرحلة التحقيق استجابة لنص المادة:110 من ذات القانون فإنّه يفترض وجوب توفير محام له أمام المحاكم الخاصة به وعدم توفير محام له أمام أيّ محكمة حكم يجب أن يكون تحت طائلة البطلان المطلق في هذه الحالة وذلك لأنّ افتراض عدم قدرته على الدفاع عن نفسه بالشكل المطلوب غير قابل لإثبات العكس
*أمام محاكم الجنح: تعد محكمة الجنح هي الاستثناء الوحيد من واجب توفير محام غير أنّه يجب أن يوفر للمتهم أمامها محاميا وذلك في حالات منها على سبيل المثال لا الحصر:
- المتهم المصاب بإعاقة يحتمل أن يتأثر بها دفاعه: وهذه الحالة تستنتج من توخي العدالة وروح نصّ الفقرة الرابعة من المادة:101 من ق إ ج ذلك أنّه إذا كان من الواجب توفير محام للمعاق في طور التحقيق تطبيقا للفقرة الرابعة من المادة السابقة كان من الأحرى أن يوفر له أثناء المحاكمة وحكمه كحكم القاصر من ناحية أثر عدم توفير محام له بجامع افتراض عدم قدرة كلّ منهما على الدفاع عن النفس بالشكل المطلوب
- شاهد الزور: على رئيس محكمة الجنح أن يعين محاميا للشاهد الذي ثبت زور شهادته في الجلسة وذلك قبيل محاكمته له تطبيقا للفقرة الخامسة من المادة:417 من ق إ ج وأثر عدم توفير محام للمتهم هنا يجب أن يكون البطلان النسبي للحكم الصادر انتهاكا لهذه المادة
*أمام المحاكم الجنائية: يعتبر حضور المحامي أو المدافع أمام المحاكم الجنائية لازما لدرجة أنّ البعض يرى أنّه من النظام العام وبالتالي فإنّه يعين للمتهم محام حتى ولو كان يرفض ذلك ونشير إلى أنّ المادة:312 وردت فيها حالة مشابهة لما ورد في المادة: 417 من ناحية وجوب تعيين محام لشاهد الزور أمام محكمة الجنح والأثر المترتب هنا على عدم انتداب محام للمتهم الذي لم ينتدب لنفسه محاميا هو البطلان المطلق أو النسبي على الأقل نتيجة لمخالفة ذلك للنصوص السابقة التي أوجبت انتداب محام للمتهم أمام المحكمة الجنائية والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر المواد:101- 209 -257-288-290 من ق إ ج
*أمام محاكم الاستئناف: هنا يجب أن يتمتع المتهم بمحام متى لم يعهده لنفسه وذلك بغض النظر عن حالته نظرا لأنّ القانون فرض اللجوء لخدمات المحامي أمام هذه المحكمة
*أمام المحكمة العليا: هنا أيضا يجب أن يمتع المتهم بمحام في نفس الظروف المتعلقة بمحكمة الاستئناف وذلك لأنّ اللجوء إلى خدمات المحامي أمام هذه المحكمة إجباري هي الأخرى
ويمكن أنّ يكون جزاء المساس بالحقّ في توفير محام أمام المحاكم التي فرض القانون اللجوء أمامها لخدمات المحامي هو البطلان المطلق نظرا لأمور منها على سبيل المثال:
•أن عدم حضور مدافع عن المتهم يفترض أنّه مضرّ بحقوقه ومن ثمّ حقوق الدفاع التي نص قانون الإجراءات الجنائية والمواثيق الدولية -التي صادقت عليها الجمهورية الإسلامية الموريتانية -على ضرورة صيانتها
•أنّ المشرع لم يفرض وجوب اللجوء إلى محام أمام هذه المحاكم إلا مراعاة لمقتضيات على درجة عالية من الأهمية لتعلقها بالقيم الأساسية للمحاكمة العدالة
•أنّه إذا كان توفير مدافع أمام المحكمة الجنائية من النظام العام حسب رأي الفقيه القاضي هانري آنجفنHenri Angevin من باب أحرى أن يكون ذلك أمام محكمة الاستئناف التي هي محكمة واقع وقانون والمحكمة العليا التي هي محكمة قانون فحسب وذلك ليس صيانة لهيبتهما أو لتنمية مهنة المحاماة بقدر ما هو صيانة لحقوق المتهم نظرا لتعقد الإجراءات أمامهما وما يمكن أن يثار أمامها من العيوب الشكلية والموضوعية التي يصعب على الفنيين الممتهنين للمحاماة ... والقضاء إدراكها فكيف بالغرباء عن كلّ ذلك وتمشيا مع ذلك ونتيجة لخطورة مهمة الدفاع واحتمال أن يكون أداؤه متوسطا وبالتالي يخطئ في إثارة بعض وسائل الطعن بالنقض نص المشرع في الفقرة الثانية من المادة:545 من ق إ ج على أنه: (يجوز للمحكمة العليا أن تثير من تلقاء نفسها الأوجه السابقة الذكر. ) والتي هي:
- عدم الاختصاص؛
- تجاوز السلطة؛
- مخالفة قواعد جوهرية في الإجراءات؛
- انعدام أو قصور الأسباب؛
-عدم البت في وجه الطلب أو أحد طلبات النيابة العامة؛
- تناقض القرارات القضائية الصادرة من جهات قضائية مختلفة في آخر درجة أو التناقض في ما قضى به الحكم نفسه؛
- مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه؛
- انعدام الأساس القانوني)
وهذه الأمور هي التي يتأسس عليها أو على أحدها على الأقل طلب الطعن بالنقض
كما أنّ للمحامي أن يطلع على الملف متى شاء ذلك تطبيقا للفقرة:3 من المادة:105 والمواد:103-260 وكذلك الفقرة الثانية من المادة:260 الكل من ق إ ج
هذا بالإضافة إلى أن المشرع منحه الحقّ في الالتقاء بموكله بحرية انطلاقا من صدور قانون مناهضة التعذيب
•- القضايا المدنية: لا جدال في أنّه خارج ما جاء في الميثاق العربي لحقوق الإنسان وما سبق ذكره بالنسبة للأجير لا يوجد نص - حسب علمي المتواضع طبعا- يفرض بشكل صريح على الدولة التي تجري المحاكمة أمام قضائها المدني أن توفر للمتقاضي محام بصفة مجانية غير أنّ هذا لا يمنع من القول بأنّ الدولة ملزمة بتوفير محام للمتقاضي أمام محاكمها المدنية ليس تطبيقا للميثاق العربي لحقوق الإنسان فحسب وإنّما انطلاقا كذلك من واجباتها المتعلقة بضرورة توفير محاكمة عادلة للمتقاضين أمام قضائها خاصة إذا كان:
-المتقاضي ليس في وضع مادي يسمح له بدفع تكاليف أجرة المحامي
-المحامي فرض القانون اللجوء إلى خدماته كما هو الحال بالنسبة لمحكمة الاستئناف والمحكمة العليا
ويثور التساؤل هنا حول ما إذا كان على الدولة أن توفر محام للمتقاضي الذي يعتبر في وضعية ما دية تسمح له بدفع تكاليف أجرة المحامي عندما يكون المحامي مفروضا اللجوء لخدماته أمام المحكمة و يرفض المتقاضي توكيله خاصة في حالة ما إذا كان مستأنفا ضدّه فهل يمكن لمحكمة الاستئناف أن تأخذ حججه المقدمة عند محكمة الدرجة الأولى بعين الاعتبار وتحكم له انطلاقا منها أم أنها لا يمكنها أن تنظر إليها باعتبار أنّها لم تقدم عن طريق محام ؟
في الأخير نشير إلى أنّ المشرع الوطني أدرك قيمة الدفاع في المجال المدني عند ما جعل بالبند (8) من المادة:204 من ق إ م ت إ من بين أسباب النقض (إذا كان محجور قد أدين دون أن يتم تمثيله بصفة قانونية إذا بدا جليا أنه لم يتم الدفاع عنه كما يجب وأن ذلك هو السبب الرئيسي أو الوحيد في صدور ذلك الحكم.) الذي حكم عليه
وخلاصة القول في هذا الموضوع هو أنّه يجب أن يوفر للمتهم محام كلّما أوجب القانون توفيره له وأنّ أثر عدم توفير محام له عند عدم تعهيده هو لمحام ينتج عنه بطلان الإجراء أو الحكم خاصة إذا نتج عن ذلك ضرر له هذا بالإضافة إلى التعويض عن الضرر الناجم عن ذلك خاصة إذا لم يكن هذا المتقاضي في وضعية مادية تسمح له بدفع أجرته وأنّ أثر عدم توفير المحامي له في جميع هذه الحالات هو بطلان الحكم أو الإجراء بطلانا مطلقا أو بطلانا نسبيا ذلك أأنّ معظم حالات البطلان الناجمة عن المساس بمبدإ وجوب تعهيد المحكمة محام للمتهم أو المتقاضي تتوفر فيها مواصفات نوعي البطلان أي البطلان المطلق والبطلان النسبي ذلك أنّ المساس بهذا الحقّ يؤدي إلى انتهاك قواعد إجرائية جوهرية لكنّه كثيرا ما يقتصر أثره على المساس بمصالح المتهم أو المتقاضي.
القاضي /محمد ينج محمد محمود
بقلم: فضيلة الثاضي محمد ينج ولد محمد محمود
يعتبر الحق في تعهيد وكيل خصومة جائزا حسب المشهور في الشريعة الإسلامية سواء كان المتقاضي طالبا (مدعيا) أو مطلوبا (مدعى عليه ) مع أنّ فيها من يقول بعدم جواز تعدد وكلاء الخصومة وكذلك من يقول باشتراط قبول الخصم للتوكيل ما لم يكن الموكل له عذر مثل أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه بينما لم ير ذلك تلامذته كما أنّ الحقّ في تعهيد أيّ من أطراف القضية ومهما كنت هذه القضية لمحام من الحقوق الأساسية المسموح بها في كلّ التشريعات حسب علمي المتواضع بما في ذلك التشريع الوطني الذي نصّ على هذا الحقّ في عدة مواد منه منها على سبيل المثال لا الحصر:
-المادة 7.من ق ت ق التي جاء فيها: (لا تجوز محاكمة أي شخص ما لم يمكن من تقديم وسائل دفاعه. ويعتبر الدفاع حرا وكذلك اختيار المدافع.)
-ما يشي به نص المادة:61 من ق إ م ت إ من أنّه يجوز توكيل أيّ شخص ما لم تنطبق عليه شروط المنع الواردة فيها وهي:
1-كونه ممنوعا من الشهادة أمام القضاء
2-كونه أدين بسرقة أو خيانة أو تفالس
3-كونه من المحامين المشطوب عليهم
4-كونه من المأمورين العموميين
- ما نصت عليه المادة 370. من ق إ ج التي جاء فيها أن:( للمتهم أن يستعين بمحام .. ) هذا بالإضافة إلى نصّ عدّة اتفاقيات دولية عليه أحالت عليها مقدمة الدستور إحالة بموجبها أصبحت جزء منه وذلك مثل العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي جاء فيه أنّ للشخص الدفاع عن نفسه كما أنّ له الحقّ في أن يختار من يدافع عنه وأنّ على المحكمة إشعاره بذلك والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي جاء في المادة:7 منه أنّ حقّ التقاضي مكفول للجميع بما في ذلك حقّ الدفاع و حرية اختيار المدافع بل إنّه انطلاقا من هذه القواعد حسب تفسير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يجب أن يمنح للشخص ومحاميه وقتا كافيا لإعداد هذا الدفاع ممّا يجعل الحقّ في أن يعهد الشخص المتقاضي أو المتهم محاميا على حسابه ليس محلّ إشكال فمحلّ الإشكال الذي سنتناول هنا هو مدى إلزام الدولة بتوفير محام للمتقاضين على أرضها وسنتعرض له أعني موضوع الحق في الحصول على محام أو واجب توفير محام لمن لم يعهد لنفسه محاميا في فقرتين نخصص أولاهما لمصادر هذا الحقّ في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني بينما نخصص الثانية منهما لآثار المساس بهذا الحقّ في كلّ منهما
الفقرة الأولى: مصادر واجب توفير محام في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني
سنقسم هذه الفقرة إلى نقطتين نخصص أولاهما (α) للحديث عن مصادر الحق في الحصول على محام في الشريعة الإسلامية بينما نخصص الثانية (β) منهما للحديث عن مصادر هذا الحقّ في التشريع الوطني
α-مصادر واجب توفير محام في الشريعة الإسلامية
لا جدال في أنّ مبدأ الحقّ في الحصول على محام من الحقوق التي تمّ الاعتراف بها حديثا للمتهمين والمتقاضين بصفة عامة لكنّ ذلك لا يمنع من القول بأنّ الشريعة الإسلامية عرفت أمورا قريبة منه أو يستنتج منها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
-تلقين الطرف الضعيف لحججه من طرف القاضي الذي أشار إليه ابن عاصم في تحفته بقوله:
وخصم إن يعجز عن إلقاء الحجج ** لموجب لقنها ولا حرج
ذلك أنّهم أجازوا للقاضي أن يلقن الطرف الضعيف الجاهل الحجة وهو ما ينم عن إدراك الفقهاء لعجز بعض الخصوم عن إبلاغ حججهم وأنّ من المتطلبات الضرورية لتحقيق العدالة أن يساعد هذا النوع من المتقاضين في الحصول على طريقة تمكنه من إيصال حججه للقاضي أو المحكمة على الوجه المطلوب ولن توجد طريقة لذلك المبتغى أكثر جدوائية من توفير محام له يدافع عنه ويعرض حججه بطريقة فنية أمام المحكمة ويكون هذا واجبا في الفترة المعاصرة التي يمنع فيها قانونا على القاضي هذا التلقين خاصة في المجال المدني
-تقرير وجوب العدالة: تطبيقا لقوله تعالى: ((إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان)) ((إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نعمّا يعظكم به إنّ الله كان سميعا بصيرا)) يوجبان على الأمة تنصيب قضاة للحكم بالعدل بين أفرادها والقاطنين بين ظهرانيها في ما ينشأ بينهم من منازعات ولمّا كان من اللازم لتحقيق هذا الغرض نظرا لتعقد الإجراءات أمام المحاكم سواء المدنية منها أو الجزائية وما يترتب في بعض الأحيان من بطلان وسقوط على مخالفة بعض هذه الإجراءات أو التأخر في ممارستها كان الحفاظ على عدالة المحكمة ومختلف الإجراءات التي تقوم بها ويقام بها أمامها يتطلب أن توفر الدولة المسلمة للمتقاضي فيها محاميا يدافع عنه خاصة إذا كان ممّن سيضره عدم توكيل مدافع عنه ويتعزّز هذا المذهب في حالة ما إذا كان المشرع فرض توكيل محام في بعض درجات التقاضي ولم يكن المتقاضي في وضع مادي يسمح له بدفع تكاليف أجرة المحامي أو رفض توكيله لافتراض أنّ حقوق الدفاع ستتضرّر من ذلك ولا يتعارض هذا مع حرمة نصرة الظالم المستفادة من كثير من النصوص الشرعية ذلك أنّ المؤازرة هنا هدفها أن يساعد المتقاضي ويعمل على أن لا يحكم عليه بأكثر ممّا يجب أن يحكم عليه به قانونا هذا في المجال المدني أمّا في المجال الجزائي فيستفاد من السنة أنّه يجب على المجتمع أن يساعد المتهم خاصة بانتهاك حدّ من حدود الله في ممارسة دفاعه بشكل أمثل ذلك أنّ توفير المحامي في هذه الحالة يمكن أن يكون من باب التعاون على البرّ والتقوى الذي أمر به جلّ وعلا في قوله: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ...) كما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نقل عنه ما يشي بأنّه لقن متهمة بالسرقة حجة تقيها تطبيق حدّ السرقة عليها عندما قال لها صلى الله عليه وسلم هل سرقت؟ قولي لا ومثل ذلك ورد في حديث آخر في سنن النسائي جاء فيه أنّه صلى الله عليه وسلم أتاه قوم بسارق اعترف ولم يوجد معه شيء فقال له صلى الله عليه وسلم (ما إخالك سرقت؟ ) فقال السارق بلى يا رسول الله وهذا الحديث يقال إنّه ضعيف لكنّ الحديثين يعزّز بعضهما بعضا و بنى عليهما البعض ندب تلقين الإمام المتهم ما يسقط عنه الحدّ هذا بالإضافة إلى أنّ مذهب درء الحدود بالشبهات يشفع لصحة الحديثين وورودهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
β-مصادر واجب توفير محام في التشريع الوطني
لأنّ مبدإ واجب توفير محام للمتهم من الحقوق الأساسية المعترف له بها كما سبقت الإشارة إلى ذلك كانت مصادره في التشريع الوطني متعددة منها ما هو دولي وهذا ما سنتناول في (ا) ومنها ما هو وطني وهذا ما سنتعرض له في(ب)
ا- مصادر واجب توفير محام في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا
صادقت موريتانيا على عدّة اتفاقيات دولية تكرس هذا الحقّ وذلك مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية السياسية
1-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: جاء في البند (1) من المادة:11 منه أن (كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه) ورغم أنّ هذا النص لم يتضمن صراحة وجوب توفير محام للمتهم إلا أنّه تضمن ذلك تلميحا نظرا لنصّه على وجوب تأمين الضمانات الضرورية لحقوق الدفاع التي يقع على رأس لائحتها واجب توفير محام نظرا لأنّ المتهم لن يتمّ الدفاع عنه بشكل يضمن حقوقه إلا بتوفير محام له ويبدو أنّ هذا الإعلان انشغل بالدعوى الجزائية عن الدعوى المدنية كما يشار إلى أنّه يعتبر جزء من الدستور الوطني
2-العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية: الذي جاء في البند (د) من الفقرة الثالثة من المادة: 14منه أنّ من حقوق المتهم (أن تزوده المحكمة .... بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر)
وإذا كان العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية قد قرّر بشكل لا ريب فيه واجب توفير محام للمتهم فإنّ تقريره له يثير ملاحظات منها:
-أنّه مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انشغل بالدعوى الجزائية عن الدعوى المدنية
- أنّ نصّ العهد لم يوجب توفير محام للمتهم إلا في حالة ما إذا كان عاجزا عن توفيره لنفسه وهذا المذهب لا يتقاسمه معه التشريع الوطني الذي فرض حضور محام في المادة الجنائية وهذا ما يشي به نصّ المادة:288 من ق إ ج التي جاء فيها أنّ حضور مدافع عن المتهم أمر لازم في المجال الجنائي وفي مواد أخرى سيتم التعرض لها لا حقا
-أنّه جعل توفير المحامي حقّا للمتهم وواجبا على المحكمة
ويشار إلى أنّ جميع مواد العهد تعتبر جزء من الدستور الوطن
3-الميثاق العربي لحقوق الإنسان : و نصت المادة: 13 منه على أنّه: ( تكفل كل دولة طرف لغير القادرين ماليا الإعانة العدلية للدفاع عن حقوقهم ) كما جاء في المادة: 14 منه أنّه يجب على الدول الأطراف فيه أن تكفل لكلّ شخص (حقه في الاستعانة مجاناً بمحام يدافع عنه إذا تعذر عليه القيام بذلك بنفسه أو إذا اقتضت مصلحة العدالة ذلك،)
ب- المصادر التشريعية الوطنية لواجب توفير محام
يشار إلى أن التشريع الوطني كرس حقّ اللجوء إلى المحامي وفرض توفيره بصوت عال في قانون الإجراءات الجنائية وقانون الحماية الجنائية للطفل كما سبقت الإشارة إلى ذلك لكنّنا لم نجد لهذا الحق تكريسا واضحا في المادة المدنية وعموما سنتناول الحقّ في الحصول على محام في المادة الجزائية في (ᴵ) بينما نتناوله في المادة المدنية في (ᴵᴵ)
ᴵ -مصادر مبدإ واجب توفير محام في المادة الجزائية
تتوزع مصادر وجوب توفير المحكمة للمتهم محام في المادة الجزائية بين عدّة نصوص من أهمّها قانون قانون مناهضة التعذيب وقانون الإجراءات الجنائية وقانون الحماية الجنائية للطفل كما أنّه مفروض في مراحل متعددة من الإجراءات وذلك على النحو التالي:
1-مرحلة الحراسة النظرية: وذلك بالنسبة للقاصر حيث نصت المادة:103 من ق ح ج ط على أنّه: ( تجب الاستعانة بمحام في طور الحراسة النظرية ويجب على الضابط أن يستمع للطفل بحضور محاميه الذي له أن يدلي بملاحظات يتم تسجيلها في المحضر الذي يجب أن يوقعه) كما أنّ للبالغ انطلاقا من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب أن يعهد لنفسه محام وأن يطلب فيها الاستفادة بشكل سريع من المساعدة القضائية ومن الاصال بشخص يساعده في إعداد دفاعه
2-التحقيق الإعدادي الذي يقوم به قاضي التحقيق:ويعتبر التحقيق وجوبيا تطبيقا للمواد:71 -101 من ق إ ج والمادة: 110 من ق ح ج ط في عدّة حالات منها:
*الجنايات المعاقبة بالإعدام أو تلك المعاقبة بالسجن ثلاثين سنة فما فوق تطبيقا للمادة:71 ق إ ج
*الجنايات المرتكبة من طرف معوق يحتمل أن تؤثر إعاقته على دفاعه تطبيقا للفقرة الرابعة من المادة: 101 من ق إ ج التي بعد أن نصت على وجوب الاستعانة بالمحامي في المادة الجنائية نصت على أنّه ( إذا كان المتهم مصابا بعائق يؤثر على دفاعه. في هذه الحالة إذا لم يختر المشتبه فيه محاميا يعين له القاضي محاميا بصفة تلقائية.) وانطلاقا من عموم كلمة القاضي الواردة هنا تكون شاملة لقاضي الحكم وقاضي التحقيق
*الجرائم المرتكبة من طرف القصر تطبيقا للمادة:110 من ح ج ط
وخارج هذه الحالات يعتبر التحقيق اختياريا كما هو الحال بالنسبة لأي قضية يقرر وكيل الجمهورية إحالتها لقاضي التحقيق ليحقّق فيها حتى ولو كانت مخالفة نظرا لأن المادة:105 من ق إ ج جاء فيها أنّه: (لا يجوز سماع المتهم أو الطرف المدني أثناء التحقيق أو إجراء مواجهة بينهما إلا بحضور محاميهما) وبما أن قاضي التحقيق يتجسد عمله في الاستجوابات والمواجهات وهذه لابد من حضور المحامي لها حسب المادة:105 السابقة التي نصّ فقرتها الأخيرة على أنّ: (الشكليات المقررة في هذه المادة ليست إلزامية:
- في الحالة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 102؛
- إذا كان المعني أو الطرف المدني قد تخلى عنها صراحة؛
- وفي حالة استعجال ملح ناتج عن حالة شاهد أو متهم آخر مهدد بالموت أو وجود علامات على وشك الاختفاء؛
- إذا كان المحامي لا يقيم بمقر المحكمة إلا إذا طلب صراحة حضور استجواب موكله.)
وعموما يجب توفير المحامي للمتهم في طور التحقيق انطلاقا ممّا:
- نصت عليه المادة:101 المتعلقة بالمثول الأول أمام قاضي التحقيق التي جاء فيها أنّه : (تجب الاستعانة بالمحامي في الميدان الجنائي أو إذا كان المتهم مصابا بعائق يؤثر على دفاعه. في هذه الحالة إذا لم يختر المشتبه فيه محاميا يعين له القاضي محاميا بصفة تلقائية.)
-نصت عليه المادة:105 من ق إ ج من أنّه (لا يجوز سماع المتهم أو الطرف المدني أثناء التحقيق أو إجراء مواجهة بينهما إلا بحضور محاميهما، ما لم يتنازلا عن ذلك صراحة، أو بعد دعوتهما قانونا. يجب أن يذكر هذا التنازل في أول المحضر.) هذا ما لم يكن المحامي الذي اختاره الطرف يوجد مقره خارج مقرّ المحكمة ولم يطلب حضور الاستجواب ويشار إلى أنّ المادة:102 نصت على أنّه يمكن لقاضي التحقيق في حالة الضرورة أن يستجوب المتهم أو أن يجري مواجهة بينه مع شاهد أو متهم آخر غير أنّه يجب أن يبين هذه الضرورة التي دعته إلى ذلك وهو يخضع في تقديرها لرقابة غرفة الاتهام
-نصت عليه المادة:110 من ق ح ج ط من أنّه عند مثول الطفل أمام قاضي التحقيق فإنّه يشعره هو وذويه بضرورة انتداب محام فإن لم ينتدب له محام (فإن القاضي يأمر بانتداب محام معين من طرف نقيب الهيئة الوطنية للمحامين أو ينتدب هو نفسه محاميا عن الطفل وفقا لأحكام المادة 103.) لكن هل يجب أن يحضر المحامي فعلا لكلّ مرحلة من مراحل التحقيق أو أن يستدعى لها على الأقلّ ليكون هذا التحقيق صحيحا أي غير باطل أو قابل للإبطال ؟ وفي ضوء صمت نصوصنا الوطنية وعدم توفر اجتهاد قضائي وطني فإنّه لا مناص من اللجوء إلى المعتمد في الاجتهاد القضائي الذي ولد في أحضان منظومة قانونية تعد مصدرا موضوعيا وتاريخيا لتشريعنا الوطني مثل فرنسا الذي يميز فيها في إطار توفير محام للمتهم بين عدّة حالات تتعلق بموقف المتهم عند إشعار قاضي التحقيق له بأنّ له الحقّ في أن يستعين بمحام أثناء مثوله الأول وذلك على النحو التالي:
* إذا قال إنّه يرفض أن يوكل له محاميا وسيدافع عن نفسه تركه القاضي وواصل معه الإجراءات
* إذا قال المتهم بأنّ له محاميا يريد استدعاءه فيما بعد تركه حتى يذكر اسمه وواصل معه الإجراءات
* إذا قال إنّه ليس له محام ولا يملك موارد تسمح له بتعهيد محام وطلب من القاضي أن يعهد له محاميا ما عهد له قاضي التحقيق محاميا
* إذا قال إنّه لم يتخذ موقفا بعد في الموضوع تركه وواصل إجراءات التحقيق معه دون محام مفترضا أنّه يرفض توكيل محام بصفة ضمنية
3-أثناء المحاكمة أي التحقيق النهائي الذي تقوم به المحكمة
ويمكن التمييز في هذا الإطار بين حالات مختلفة وذلك على النحو التالي:
•أمام المحاكم الخاصة بالقصر: لم يفرض القانون بشكل صريح أو على الأقل بمواد خاصة وجوب توفير محام للمتهم القاصر غير أنّ وجوب توفير محام له أمام هذه المحاكم يستنتج من فرض المشرع توفير محام له في طور الحراسة النظرية طبقا للمادة:103 من ق ح ج وفي إطار التحقيق الإعدادي تطبيقا للمادة:110 من ذات القانون
•- أمام الغرفة الجزائية (محكمة الجنح): تعد محكمة الجنح هي الاستثناء الوحيد من واجب توفير محام غير أنّه يجب أن يوفر للمتهم أمامها محاميا وذلك في حالات منها على سبيل المثال لا الحصر:
- المتهم المصاب بإعاقة يحتمل أن يتأثر بها دفاعه: وهذه الحالة تستنتج من توخي العدالة وروح الفقرة الرابعة من المادة:101 من ق إ ج وكذلك المادة:377 من ذات القانون
- شاهد الزور: على رئيس محكمة الجنح أن يعين محاميا للشاهد الذي ثبت زور شهادته في الجلسة تطبيقا للفقرة الخامسة من المادة:417 من ق إ ج
ونشير إلى أنّه تطبيقا للمادة:377 لرئيس محكمة الجنح أن يعين محاميا للمتهم الذي ليس له محام متى رأى ذلك ويجب التنبيه هنا إلى أنّ التعهد أمام محكمة الجنح قصرته الفقرة الثانية من هذه المادة على المحامين وهو أمر يتعذر الالتزام به نظرا لندرة تواجد هم في داخل البلاد خاصة في الولايات النائية
•- أمام المحكمة الجنائية : جدير بالذكر أنّه بعد صيرورة قرار الإحالة أمام المحكمة الجنائية نهائيا وقبل انعقاد الدورة الجنائية التي برمج فيها ملف المتهم يجب أن يتمّ ما يعرف بالاستجواب التحضيري الذي يتأكد القاضي الذي يقوم به خلاله من أنّ المتهم قد انتدب محاميا للدفاع عنه فإن لم يكن قد انتدبه انتدب له هو محاميا للدفاع عنه أمام المحكمة الجنائية تطبيقا للمادة:257 من ق إ ج كما أنّه (ليس لغرفة الاتهام أن تحيل المتهم إلى المحكمة الجنائية إلا بعد التأكد من أنه قد استعان بمحام....) وفي حالة عدم توفر المتهم على محام (تأمر بأن يعين له محام تلقائيا حسب الشروط الواردة في المادة 104 وأن يقام بالإجراءات طبقا لمقتضيات المادة: 173 وما بعدها) وتطبيقا للفقرة الثانية من المادة:209 من ق إ ج
وهذا ما يتضح منه أنّه يجب أن يوفر للمتهم محام في المراحل التالية من المحاكمة وذلك انطلاقا من:
- ما نصت عليه المادة: 288 من أنّ: (... حضور مدافع عن المتهم أمر إلزامي. إذا لم يحضر المدافع المختار أو المعين فللرئيس أن يعين واحدا من تلقاء نفسه.) وتشير المادة:290 إلى أنّه إذا لم يكن من الممكن الاستماع إلى المتهم داخل الجلسة نتيجة لظروفه الصحية فإنّه يتم الاستماع إليه مصحوبا بمحاميه في السجن الذي يوجد فيه بواسطة قاض منتدب لذلك من طرف المحكمة ويكون القاضي مصحوبا بكاتب ضبط ويقرأ كاتب الضبط هذا المحضر في الجلسة كلّ ذلك ما لم يكن من الممكن تأجيل القضية إلى جلسة لاحقة و لا شكّ أنّ إلزامية حضور المحامي لهذا الإجراء تشي بإدراك المشرع لعلاقة وجود المحامي بصيانة حقوق الدفاع وعدم إمكانية صيانة هذه الحقوق بالشكل المطلوب في غيابه كما يجب على رئيس المحكمة الجنائية تطبيقا للفقرة الثانية من المادة:312 من ق إ ج أن يعين محاميا لمن ثبت زور شهادته في الجلسة عند محاكمته له بعد نطقه بالحكم في أصل القضية التي هي مناسبة شهادة الزور
•- أما محكمة الاستئناف: وهذه يجب أن يوفر أمامها للمتهم محام ما لم ينتدب محاميا لنفسه وذلك لأنّ المشرع فرض اللجوء لخدمات المحامي أمامها
•-أمام المحكمة العليا: وهذه ينطبق عليها ما ينطبق على محكمة الاستئناف بجامع فرض المشرع للجوء لخدمات المحامي أمام كلّ منهما
ᴵᴵ-مصادر واجب توفير محام في المادة المدنية
باستثناء ما جاء في المادة: 229 من القانون رقم:17/2004 المتضمن مدونة الشغل من أن العامل يتمتع بالمساعدة القضائية بشكل تلقائي وما جاء في المادة: 13 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي من أنّه: ( تكفل كل دولة طرف لغير القادرين ماليا الإعانة العدلية للدفاع عن حقوقهم ) و المادة: 14 منه من أنّه يجب على الدول الأطراف فيه أن تكفل لكلّ شخص (حقه في الاستعانة مجاناً بمحام يدافع عنه إذا تعذر عليه القيام بذلك بنفسه أو إذا اقتضت مصلحة العدالة ذلك،) لم ينص التشريع الوطني بشكل مباشر -حسب علمي المتواضع- على وجوب توفير محام للمتقاضي في المادة المدنية غير أنّ هذا لا يعني عدم وجوب توفيره له في المادة المدنية ذلك أنّ وجود هذا الواجب في تشريعنا يستشف من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والمبادئ العامة للقانون المعمول بها في البلد وذلك مثل:
1-مبدأ الحقّ في اللجوء للقضاء: يفرض هذا المبدأ على كل دولة أن توفر الأمور اللازمة لوصول أيّ متقاض إلى قضائها ليعرض عليه كلّ مزاعمه المتعلقة بالدفاع عن حقوقه التي يعتقد أنّها تمّ المساس بها من طرف الآخرين سواء كانوا سلطات أو أشخاصا عاديين ولن يتحقق ذلك ما لم يوفر له محام خاصة إذا كان المحامي سمح له القانون باحتكار المرافعة أمام المحاكم التي سيعرض عليها المتقاضي مزاعمه كما هو الحال عندنا بالنسبة لمحكمة الاستئناف والمحكمة العليا خاصة أنّ هذه الأخيرة تبتّ نهائيا وابتدائيا في بعض القضايا كما نشير إلى أنّ القانون رقم:30/2015 المنظم للمساعدة القضائية في المجال المدني نصت المادة:1 منه على الشروط التي بتوفرها يمكن للمواطن الحصول على المساعدة القضائية بينما نصت المادة:2 منه على أن الأجنبي لا يستفيد من المساعدة القضائية إلا في حالة المعاملة بالمثل أو استجابة لاتفاقية دولية
2-مبدأ ضمان توفير محاكمة عادلة: انطلاقا من وظائف الدولة وضرورة قيامها بواجباتها إزاء مواطنيها والقاطنين بها والالتزامات الملقاة على عاتقها طبقا للاتفاقيات الدولية التي تضع على كاهلها توفير محاكمة عادلة للاجئين إلى قضائها يكون من الواجب عليها توفير محام لمن لا يمكنه توفير أجرته نظرا لتواضع دخله تطبيقا لمبادئ صيانة حقوق الدفاع وحرصا على تكافؤ الفرص وهذا ما يحدث في الدول الحديثة عن طريق اعتماد قوانين تتضمن شروط الحصول على المساعدة القضائية والتي من ضمنها القانون رقم:30/2015 الذي سبقت الإشارة إليه أعلاه ويشار إلى أنّه انطلاقا من اجتهاد المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان الذي تضمنه قرار صادر عنها بتاريخ:09/10/1979 معروف باسم Airey c/ Irlande يجب توفير محام للمتقاضي في المجال المدني متى تطلبت ذلك مقتضيات العدالة حتى في الحالة التي يكون فيها اللجوء لخدمات المحامي غير مفروض قانونا أمام المحكمة المعروض أمامها النزاع .
الفقرة الثانية: آثار المساس بواجب توفير محام في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني
سنقسم هذه الفقرة إلى نقطتين نخصص أولاهما (α) لآثار المساس بواجب توفير محام للمتقاضي في الشريعة الإسلامية بينما نخصص الثانية (β) منهما لآثار المساس بهذا الواجب في التشريع الوطني
α-آثار المساس بواجب توفير محام في الشريعة الإسلامية
تعتبر الشريعة الإسلامية منظومة من القيم المتراصة الهادفة إلى صيانة المصالح الدنيوية والأخروية ويفترض أنّ المساس بأحد المثل التي تتأسس عليها هذه الشريعة على درجة عالية من الخطورة بالنسبة لها خاصة إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس ممّا يمكن معه أن نذهب إلى أنّ آثار تخلف توفير محام للمتقاضي في الشرعة الإسلامية هو بطلان الحكم وربما التعويض لصاحبه عن الأضرار التي لحقت به من خلال عدم توفير محام له وهذا ما تمكن البرهنة عليه انطلاقا من الأمور التالية:
-إذا كانت العدالة وإقامة العدل بين الناس أحد الأهداف السامية للشريعة الإسلامية وهي كذلك فعلا وكانت عدالة إجراءات التحقيق والمحاكمة تتطلب توفير مدافع عن المتهم كان توفير المدافع للمتهم ممّا لا يتم الواجب إلا به (وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) والتخلي عنه يشكل حرمانا للمتهم من حقّ له وحرمان أيّ شخص من أيّ حقّ له بدون مسوغ شرعي يكون ظلما له خاصة إذا نجم عنه ضرر له وبالتالي يكون الحكم المبني على ظلم باطل تطبيقا لقاعدة (ما بني على باطل فهو باطل) وسواء تعلق الأمر بالمجال الجزائي أو المدني لأن الفقه الإسلامي القديم لا يفرق بين القضاء المدني والجزائي
-تطبيقا لقاعدة: (لا ضرر ولا ضرار) يكون عدم توفير محام للمتقاضي مهما كان يلحق ضررا به وبالتالي يعتبر ظلما ذلك أنّه من الشقّ الأول للقاعدة (لا ضرر) يحرم على الفرد والمجتمع الإضرار بأيّ كائن من كان وإذا كان ذلك كذلك وكان عدم توفير محام للمتهم للدفاع عنه ينشأ عنه ضرر له فلا جدال في أنّ عدم توفيره له هنا سيكون ظلما له والظلم ممنوع شرعا وبالتالي فإنّ أي حكم مبني على ظلم للمتهم يكون باطلا تطبيقا لقاعدة (ما بني على باطل فهو باطل) وسواء تعلق الأمر بالمجال الجزائي أو المدني لأن الفقه الإسلامي القديم لا يفرق بين القضاء المدني والجزائي كما سبقت الإشارة إلى ذلك
وعموما يمكن القول بأنّ الحقّ في توفير المحامي من الحقوق الحديثة التي أدى إلى الاعتراف بها تطور مفهوم حقوق الدفاع ولا مثيل لها في الفقه الإسلامي القديم الذي يشي تفحصه بأنّه كان في معظمه ينظر إلى المتهم باعتباره مذنبا وعدوا لله ورسوله على خلاف نظرة النبي صلى الله عليه وسلم للمتهم الذي كان ينظر إليه حتى لو كان متهما بانتهاك حدّ من حدود الله ومعترفا بانتهاكه له نظرة رحمة كما يتضح ذلك من حديث ماعز وحديث المرأة السارقة التي قال لها صلى الله عليه وسلم: (أ سرقت ؟ قولي لا ) كما سبقت الإشارة إلى ذلك هذا بالإضافة إلى أنّ واجب توفير العدالة للرعية من الواجبات الأساسية على الدولة الإسلامية وقد أصبح الآن توفير المحامي من الأمور التي يقتضيها فعلا العمل على تحقيق العدالة ممّا يعني أنّه إذا لم يوفر للمتهم محاميا للدفاع عنه كان الحكم باطلا أو على الأقل قابلا للإبطال في الشريعة الإسلامية
β-آثار المساس بواجب توفير محام في التشريع الوطني
تختلف حدّة الأثر المترتب على عدم توفير محام في التشريع الوطني بحسب ما إذا كانت القضية جزائية وهذا ما سنتناول في (ا) أو مدنية وهذا ما سنتعرض له في (ب)
•- القضايا الجزائية: الأصل في المادة الجزائية في ما يبدو نتيجة لخطورتها التي نجمت عنها ضرورة صيانة حقوق الدفاع فيها وجوب توفر محام للمتهم خاصة إذا نصّ القانون على ذلك وأنّه يجب أن يكون الأثر المترتب على عدم توفيره هو البطلان المطلق نظرا لتعلق توفير المحامي ليس بتحقيق مبادئ المحاكمة العادلة فحسب وإنّما أيضا بالإدارة الحسنة للإجراءات وزرع المصداقية في العمل القضائي في مختلف أوجهه وتجلياته المتعددة وعموما يمكن التمييز بين آثار واجب توفير محام للمتهم خلال المراحل التالية:
1-أثناء الحراسة النظرية: ويمكن التمييز في إطارها بين حالتين:
-بالنسبة للمتهم البالغ:لم ينص القانون على وجوب توفير محام للمتهم البالغ أثناء الحراسة النظرية ما لم يطلب هو ذلك حسب المستفاد من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وإن كان أجاز له الاستعانة به
-بالنسبة للمتهم القاصر: يجب أن يوفر للمتهم القاصر محام أثناء الحراسة النظرية ويعهد المحامي المنتدب للقاصر في هذه المرحلة من طرف وكيل الجمهورية ما لم ينتدب له أهله محاميا تطبيقا للمادة: 103 من ق ح ج ط وفي هذه الحالة فإن أثر عدم انتداب محام للطفل أثناء الحراسة النظرية هو بطلان المحضر أو قابليته للإبطال وذلك لورود عبارة يجب في هذه المادة مرّتين وذهاب الغرف المجمعة في قرارها المبدئي المدني رقم:22/2013 الصادر بتاريخ: 19/06/2013 إلى أن ورود كلمة يجب في أيّ نصّ يجب أن يفهم منها أنّه لا يمكن أن يقال بأنّ مقتضياته ليست من النظام العام في المجال المدني واعتماد هذا المذهب يكون من باب أولى في المادة الجزائية.
2-أمام محاكم التحقيق: أثناء التحقيق الإعدادي الذي يقوم به قاضي التحقيق المكلف بقضايا القصر أو قاضي التحقيق وفي هذه المرحلة يجب أن يوفر محاميا للمتهم غير أنّه يمكن التمييز بين حالتين:
-حالة المتهم القاصر: وهذا يجب أن يوفر له محاميا أثناء التحقيق الإعدادي ما لم ينتدب له أهله محاميا وذلك تطبيقا للمادة:110 من ق ح ج ط التي أحالت إلى طرق الانتداب المنصوص عليها في المادة:103 من ذات القانون ممّا يعني أنّ أثر عدم انتداب محام له أثناء التحقيق هو بطلان التحقيق بطلانا مطلقا نظرا لأنّ حضور الدفاع بالنسبة له أساسي ذلك أنّه يفترض فيه عدم القدرة على الدفاع عن نفسه بالشكل المطلوب افتراضا غير قابل لإثبات العكس هذا إن لم ينتدب له أهله محاميا
-حالة المتهم االبالغ: ويمكن التمييز في إطار الحديث عنه في هذا المجال بين حالتين:
• حالة المتهم المعاق إعاقة يمكن أن تؤثر على دفاعه: وهذا حكمه كحكم القاصر في كلّ الأمور انطلاقا من نصّ وروح الفقرة الرابعة من المادة:101 من ق إ ج
•حالة المتهم السليم: وهذا يجب على المحكمة في طور التحقيق أن توفر له محاميا عندما يطلب من القاضي توفيره له في الظروف سالفة الذكر وجزاء عدم توفير المحامي في هذه الحالات يكون هو البطلان المطلق أو النسبي ويشار إلى أنّه متى كان للمتهم البالغ محام سواء كان معينا من طرف القاضي المحقّق معه أو منتدبا من طرفه هو فإنّه حينئذ يجب أن يحضر هذا المحامي أيّ استجواب أو مواجهة يقام بها في إطار التحقيق مع موكله انطلاقا من ظاهر نصّ المادة: 105 سابقة الذكر أو يستدعى بشكل صحيح لأي استجواب لزبونه أو مواجهة بينه هو وشاهد أو طرف مدني ما لم يتنازل المتهم عن ذلك أو كان المحامي لا يقيم بمقر المحكمة ولم يطلب حضور هذا الاستماع أو المواجهة وجزاء مخالفة هذه الإجراءات المنصوصة في الفقرة الرابعة من المادة:101و مقتضيات المادة:105 هو البطلان النسبي الذي يمكن لمن تقرّر لصالحه التنازل عنه أو التمسك به تطبيقا للمادة:169 من ق إ ج هذا بالإضافة ّإلى أنّ المادة:170 من ذات القانون لمّحت إلى إمكانية إثارة هذه العيوب من طرف قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية وغرفة الاتهام
2-أمام محاكم الموضوع والمحكمة العليا: يجب أن يوفر للمتهم محام أمام محاكم الموضوع والمحكمة العليا مع استثناء من ذلك وذلك على النحو التالي:
*أمام المحاكم الخاصة بالقصر: نتيجة لحاجة القاصر إلى المؤازرة لأنّه يفترض فيه عدم قدرته على الدفاع عن نفسه بالشكل المطلوب و نصّ المشرع على وجوب توفير محام له له في مرحلة الحراسة النظرية طبقا للمادة:103 من ق ح ج ط وفي مرحلة التحقيق استجابة لنص المادة:110 من ذات القانون فإنّه يفترض وجوب توفير محام له أمام المحاكم الخاصة به وعدم توفير محام له أمام أيّ محكمة حكم يجب أن يكون تحت طائلة البطلان المطلق في هذه الحالة وذلك لأنّ افتراض عدم قدرته على الدفاع عن نفسه بالشكل المطلوب غير قابل لإثبات العكس
*أمام محاكم الجنح: تعد محكمة الجنح هي الاستثناء الوحيد من واجب توفير محام غير أنّه يجب أن يوفر للمتهم أمامها محاميا وذلك في حالات منها على سبيل المثال لا الحصر:
- المتهم المصاب بإعاقة يحتمل أن يتأثر بها دفاعه: وهذه الحالة تستنتج من توخي العدالة وروح نصّ الفقرة الرابعة من المادة:101 من ق إ ج ذلك أنّه إذا كان من الواجب توفير محام للمعاق في طور التحقيق تطبيقا للفقرة الرابعة من المادة السابقة كان من الأحرى أن يوفر له أثناء المحاكمة وحكمه كحكم القاصر من ناحية أثر عدم توفير محام له بجامع افتراض عدم قدرة كلّ منهما على الدفاع عن النفس بالشكل المطلوب
- شاهد الزور: على رئيس محكمة الجنح أن يعين محاميا للشاهد الذي ثبت زور شهادته في الجلسة وذلك قبيل محاكمته له تطبيقا للفقرة الخامسة من المادة:417 من ق إ ج وأثر عدم توفير محام للمتهم هنا يجب أن يكون البطلان النسبي للحكم الصادر انتهاكا لهذه المادة
*أمام المحاكم الجنائية: يعتبر حضور المحامي أو المدافع أمام المحاكم الجنائية لازما لدرجة أنّ البعض يرى أنّه من النظام العام وبالتالي فإنّه يعين للمتهم محام حتى ولو كان يرفض ذلك ونشير إلى أنّ المادة:312 وردت فيها حالة مشابهة لما ورد في المادة: 417 من ناحية وجوب تعيين محام لشاهد الزور أمام محكمة الجنح والأثر المترتب هنا على عدم انتداب محام للمتهم الذي لم ينتدب لنفسه محاميا هو البطلان المطلق أو النسبي على الأقل نتيجة لمخالفة ذلك للنصوص السابقة التي أوجبت انتداب محام للمتهم أمام المحكمة الجنائية والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر المواد:101- 209 -257-288-290 من ق إ ج
*أمام محاكم الاستئناف: هنا يجب أن يتمتع المتهم بمحام متى لم يعهده لنفسه وذلك بغض النظر عن حالته نظرا لأنّ القانون فرض اللجوء لخدمات المحامي أمام هذه المحكمة
*أمام المحكمة العليا: هنا أيضا يجب أن يمتع المتهم بمحام في نفس الظروف المتعلقة بمحكمة الاستئناف وذلك لأنّ اللجوء إلى خدمات المحامي أمام هذه المحكمة إجباري هي الأخرى
ويمكن أنّ يكون جزاء المساس بالحقّ في توفير محام أمام المحاكم التي فرض القانون اللجوء أمامها لخدمات المحامي هو البطلان المطلق نظرا لأمور منها على سبيل المثال:
•أن عدم حضور مدافع عن المتهم يفترض أنّه مضرّ بحقوقه ومن ثمّ حقوق الدفاع التي نص قانون الإجراءات الجنائية والمواثيق الدولية -التي صادقت عليها الجمهورية الإسلامية الموريتانية -على ضرورة صيانتها
•أنّ المشرع لم يفرض وجوب اللجوء إلى محام أمام هذه المحاكم إلا مراعاة لمقتضيات على درجة عالية من الأهمية لتعلقها بالقيم الأساسية للمحاكمة العدالة
•أنّه إذا كان توفير مدافع أمام المحكمة الجنائية من النظام العام حسب رأي الفقيه القاضي هانري آنجفنHenri Angevin من باب أحرى أن يكون ذلك أمام محكمة الاستئناف التي هي محكمة واقع وقانون والمحكمة العليا التي هي محكمة قانون فحسب وذلك ليس صيانة لهيبتهما أو لتنمية مهنة المحاماة بقدر ما هو صيانة لحقوق المتهم نظرا لتعقد الإجراءات أمامهما وما يمكن أن يثار أمامها من العيوب الشكلية والموضوعية التي يصعب على الفنيين الممتهنين للمحاماة ... والقضاء إدراكها فكيف بالغرباء عن كلّ ذلك وتمشيا مع ذلك ونتيجة لخطورة مهمة الدفاع واحتمال أن يكون أداؤه متوسطا وبالتالي يخطئ في إثارة بعض وسائل الطعن بالنقض نص المشرع في الفقرة الثانية من المادة:545 من ق إ ج على أنه: (يجوز للمحكمة العليا أن تثير من تلقاء نفسها الأوجه السابقة الذكر. ) والتي هي:
- عدم الاختصاص؛
- تجاوز السلطة؛
- مخالفة قواعد جوهرية في الإجراءات؛
- انعدام أو قصور الأسباب؛
-عدم البت في وجه الطلب أو أحد طلبات النيابة العامة؛
- تناقض القرارات القضائية الصادرة من جهات قضائية مختلفة في آخر درجة أو التناقض في ما قضى به الحكم نفسه؛
- مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه؛
- انعدام الأساس القانوني)
وهذه الأمور هي التي يتأسس عليها أو على أحدها على الأقل طلب الطعن بالنقض
كما أنّ للمحامي أن يطلع على الملف متى شاء ذلك تطبيقا للفقرة:3 من المادة:105 والمواد:103-260 وكذلك الفقرة الثانية من المادة:260 الكل من ق إ ج
هذا بالإضافة إلى أن المشرع منحه الحقّ في الالتقاء بموكله بحرية انطلاقا من صدور قانون مناهضة التعذيب
•- القضايا المدنية: لا جدال في أنّه خارج ما جاء في الميثاق العربي لحقوق الإنسان وما سبق ذكره بالنسبة للأجير لا يوجد نص - حسب علمي المتواضع طبعا- يفرض بشكل صريح على الدولة التي تجري المحاكمة أمام قضائها المدني أن توفر للمتقاضي محام بصفة مجانية غير أنّ هذا لا يمنع من القول بأنّ الدولة ملزمة بتوفير محام للمتقاضي أمام محاكمها المدنية ليس تطبيقا للميثاق العربي لحقوق الإنسان فحسب وإنّما انطلاقا كذلك من واجباتها المتعلقة بضرورة توفير محاكمة عادلة للمتقاضين أمام قضائها خاصة إذا كان:
-المتقاضي ليس في وضع مادي يسمح له بدفع تكاليف أجرة المحامي
-المحامي فرض القانون اللجوء إلى خدماته كما هو الحال بالنسبة لمحكمة الاستئناف والمحكمة العليا
ويثور التساؤل هنا حول ما إذا كان على الدولة أن توفر محام للمتقاضي الذي يعتبر في وضعية ما دية تسمح له بدفع تكاليف أجرة المحامي عندما يكون المحامي مفروضا اللجوء لخدماته أمام المحكمة و يرفض المتقاضي توكيله خاصة في حالة ما إذا كان مستأنفا ضدّه فهل يمكن لمحكمة الاستئناف أن تأخذ حججه المقدمة عند محكمة الدرجة الأولى بعين الاعتبار وتحكم له انطلاقا منها أم أنها لا يمكنها أن تنظر إليها باعتبار أنّها لم تقدم عن طريق محام ؟
في الأخير نشير إلى أنّ المشرع الوطني أدرك قيمة الدفاع في المجال المدني عند ما جعل بالبند (8) من المادة:204 من ق إ م ت إ من بين أسباب النقض (إذا كان محجور قد أدين دون أن يتم تمثيله بصفة قانونية إذا بدا جليا أنه لم يتم الدفاع عنه كما يجب وأن ذلك هو السبب الرئيسي أو الوحيد في صدور ذلك الحكم.) الذي حكم عليه
وخلاصة القول في هذا الموضوع هو أنّه يجب أن يوفر للمتهم محام كلّما أوجب القانون توفيره له وأنّ أثر عدم توفير محام له عند عدم تعهيده هو لمحام ينتج عنه بطلان الإجراء أو الحكم خاصة إذا نتج عن ذلك ضرر له هذا بالإضافة إلى التعويض عن الضرر الناجم عن ذلك خاصة إذا لم يكن هذا المتقاضي في وضعية مادية تسمح له بدفع أجرته وأنّ أثر عدم توفير المحامي له في جميع هذه الحالات هو بطلان الحكم أو الإجراء بطلانا مطلقا أو بطلانا نسبيا ذلك أأنّ معظم حالات البطلان الناجمة عن المساس بمبدإ وجوب تعهيد المحكمة محام للمتهم أو المتقاضي تتوفر فيها مواصفات نوعي البطلان أي البطلان المطلق والبطلان النسبي ذلك أنّ المساس بهذا الحقّ يؤدي إلى انتهاك قواعد إجرائية جوهرية لكنّه كثيرا ما يقتصر أثره على المساس بمصالح المتهم أو المتقاضي.
القاضي /محمد ينج محمد محمود