حول المادة 116 مكررة من المدونة التجارية .. ذ/اليزيد ولد اليزيد
إثر بيان مجلس الوزراء في الـ 19 سبتمبر 2019 ، فوجئ المهنيون القانونيون بإعلان مشروع قانون يعدل المادة 116 مكرر من المدونة التجارية.
للتذكير، تجدر الإشارة إلى أن المادة 116 مكرر تشكل جزء من مجموعة من التعديلات التشريعية التي أدخلها، سنة 2015، الإصلاح الذي أجري على المدونة التجارية بهدف تحديث القواعد القانونية المتعلقة بالتجارة وجعل تشريعاتنا منسجمة مع المعايير الدولية.
مبررات المادة 116:
فنحن حين نتفحص مجال الأعمال، ندرك بسهولة أن الصياغة الإجبارية لبعض العقود من قبل المحامي أصبحت اليوم ضرورية بفعل التطور الذي تعرفه الأنشطة الاقتصادية.
ولكي يتمكن الاقتصاد من التطور الفعلي وبشكل صحيح، فإنه لا بد على الأقل، من توفر شرطين اثنين هما:
أن يكون الوكلاء الاقتصاديون يدركون كل الإدراك حقوقهم والتزاماتهم حتى يكون بإمكانهم الالتزام وهم على بينة من أمرهم؛
أن تكون الالتزامات، فور توقيع التعاقد، تتسم بالاستقرار، وأن يتم تنفيذها بشكل طبيعي وهادئ يضمن الاستمرارية على المدى الطويل.
فبدون معرفة محتوى الالتزامات واستقرارها، يبقى الاقتصاد في حالة من عدم الاستقرار والحيرة، ويكون حتما معرضا للخطر.
وبما أنه لا يسمح لأي وكيل اقتصادي بالقول: "لم أكن أعرف ...". فإنه أيضا لا ينبغي أن تكون الدولة، التي هي الضامن للتوازن الاجتماعي، في وضعية تجعلها تسمح بإجراء معاملات اقتصادية خارج نطاق القانون.
وعلاوة على ذلك، فإن معرفة القانون تم ترسيخها بصفتها مبدأ دستوريا مؤكدا في الدستور الموريتاني الذي ينص في مادته 17 على ما يلي: "لا عذر لأحد في جهل القانون".
من هنا تتبين ضرورة استشارة المحامي، ابتداءً من مستوى معين من أهمية الالتزامات، سواء كان ذلك من باب ضرورة حماية مصالح الأطراف، أو من باب ضمان استقرار المعاملات وتجنيب الاقتصاد الوطني التجاوزات التي قد تنجم عن عدم تنفيذ العقود.
هذا ما يفسر كون الإضافات الهامة التي أدخلت سنة 2015 على المدونة التجارية شملت إلزامية تحرير العقود المتعلقة برأس المال التجاري وكذلك جميع العقود التي تحتاج التصديق من قبل موثق العقود.
يتناول التعديل الوارد في المادة 116 العديد من الاهتمامات:
- ضمان المساعدة والمشورة القانونية اللازمة للأطراف؛
- ضمان الأمان القانوني للمعاملات التي تشكل أساس النشاط الاقتصادي؛
- استباق المصادر المحتملة للنزاعات على مستوى العقد، وإيجاد حلول لها بغية حماية الاتفاقية وعدم اللجوء إلى المحاكم.
إن الإصلاح الذي تم القيام به سنة 2015 لم يأت صدفة. لقد لوحظ بالفعل، شيوع ممارسة متجذرة إلى حد ما في موريتانيا، تتمثل في التكليف المباشرة لموثق العقود بتحرير العمليات القانونية ذات الأهمية القصوى، مثل إنشاء الشركات (صياغة النظام الأساسي) أو بعض المعاملات المعقدة (في ما يتعلق بالعقارات أو العلاقات مع الخارج وما إلى ذلك).
إن موثق العقود رجل قانون بالتأكيد، إلا أنه قد يكون غير مؤهل لإسداء هذا النوع من الخدمات، فهو في معظم الأحيان يوفر للأطراف نصوصا محررة مسبقًا، لا تتكيف مع الوضعيات الخاصة.
في الواقع، كان الاستنتاج الذي تم التوصل إليه هو أن الموثقين لديهم نماذج من العقود والمعاملات النموذجية (النظام الأساسي، عقود إيجار وبيع العقارات، وما إلى ذلك) التي يوقعها الأطراف دون تحليل البيانات المعينة للعملية القانونية المتوخاة، ودون استفادتهم من المساعدة القانونية اللازمة، الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى نشوء نزاعات على مستوى التطبيق، ويكرس أيضا لدى الأطراف عدم الأمان القانوني.
وبهذه الطريقة، يقدم موثق العقود لموكله "تسهيلًا" قانونيًا، لكنه لا يوفر له مساعدة قانونية مهنية تضمن حماية المعاملة.
على المستوى القانوني، فإن إسداء هذه الخدمة يحظره بشكل صارم قانون 1997 المتضمن نظام موثقي العقود، والذي نص في مادته الأولى على أن مهمته الموثق تقتصر على "استقبال" العقود التي يرغب الأطراف في منحها طابعا موثقا، كما أن الماد 6 من نفس النظام نصت على أن ممارسة وظيفة التوثيق تتنافى مع ممارسة أي وظيفة عامة أو خاصة أخرى، مما يمنع بطبيعة الحال موثقي العقود من ممارسة وظيفة الاستشارة القانونية الخاصة قانونيًا بالمحامين.
في هذا المنوال، يجب أن نكون حريصين على عدم الخلط وأن نأخذ في الاعتبار أن "العقود" التي يتم إعدادها من قبل مساعدي موثق العقود المحلفين طبقا لمقتضيات المادة 19 من قانون 1997 المتضمن نظام موثقي العقود، لا تعتبر فتاوى قانونية ولا عقودا، ولا يمكن أن تقاس عليها، ولكن ببساطة تتعلق بالمستندات التي يتعين على الموثق تحريرها من خلال استلام العقود والسندات التي يرغب الطرفان في منحها المصداقية القانونية.
لهذا السبب، جاء إصلاح المدونة التجارية، من بين عديد التعديلات الأخرى التي أجريت سنة 2015، لتصحيح هذا الموقف عبر المادة 116 مكرر.
مقاومة موثقي العقود للإصلاح
لقد لوحظ، منذ البداية، وقوف موثقي العقود الموريتانيين بشدة في وجه الإصلاحات التي أجريت سنة 2015 على المدونة التجارية.
نذكر هنا للتاريخ، أن الاستشاريين المكلفين بإصلاح المدونة التجارية قاموا في 20 و 21 نوفمبر 2014، تحت رعاية وزارة العدل التي أشرفت على هذا التعديل، بإنعاش الورشة الأولي للمصادقة على مشروع القانون. وقد حضر الورشة كافة الفاعلة في مجال العدالة المعنيين بتطبيق المدونة التجارية (من قضاة، وكتبة ضبط، وموثقي عقود، ومنفذين عدليين، ومحامين، وكذلك وزارة التجارة، والغرفة التجارية، إلخ)، وقد أسندت رئاسة الورشة لممثل وزير العدل، وقد لعب هذا الأخير دور مقرر الورشة.
خلال الورشة، عارض ممثلو موثقي العقود بشدة مشروع المادة 116 مكرر على أساس أنه يشكل بالنسبة لهم منافسة من جانب المحامين. وبعد نقاش واسع حول القضية، لم تكن الحجج المقدمة من طرف موثقي العقود مقنعة بالنسبة للمشاركين في الورشة، وقررت هذه الأخيرة، على لسان المقرر، الإبقاء على المادة 116 و المصادقة عليها.
في الحقيقة، لا يمكن لأي نقاش جاد إلا أن يؤدي إلى إجازة هذا التعديل الهام، وأنا أعترف أنني إلى حد الساعة، ما زلت لا أستطيع استيعاب رفض هذا التعديل من قبل موثقي العقود.
يجب التنبيه هنا إلى أن هذا الإجراء لا يؤثر في الواقع على مصالح موثقي العقود، فمجال تدخل هؤلاء محدد بموجب القانون ومحمي، ولا يهدده هذا الإجراء بأي حال من الأحوال، لا في مجاله (تصديق العقود)، ولا يقلل من أجره (الأتعاب).
وإذا ما تم تطبيق هذا الإجراء بشكل صحيح، فإنه سيسمح لموثقي العقود باستلام عقود تم بالفعل إعدادها والموافقة عليها من قبل الأطراف، مما يمكن الموثقين، مع ضمان تمسكهم بوظائفهم (ودخلهم)، من عدم تحمل مسؤوليات ما من داع لتحملها أصلا.
إن استحداث المادة 116 مكرر لا يتضمن أي خلط بين مهمة المحامي المتمثلة في تقديم المشورة القانونية وصياغة البنود، ومهمة موثق العقود المتمثلة في توثيق المستندات.
على الرغم من ذلك، ظل لوبي الموثقين الموريتانيين، منذ العام 2015، يعارض التنفيذ الفعلي لهذا الإجراء. وحده نشاط هذا اللوبي يمكن أن يفسر مشروع القانون المقدم لمجلس الوزراء في 19 سبتمبر 2019.
نعتقد أن هذا المشروع يشكل خطوة إلى الوراء، ويمكن أن يعرض الأمان القانوني للعمليات الاقتصادية وشفافيتها للخطر، مما سيعيق بشكل خطير الجهود المبذولة حتى الآن لتنقية المعاملات المالية والاقتصادية في بلدنا.
علاوة على ذلك، قد لا يكون من غير المجدي التذكير بأن العديد من الدول القريبة منا بفعل القانون أو الثقافة، جعلت صياغة بعض المستندات من قبل المحامي إلزامية، والتذكير أيضا بأن هذه المستندات قد تقدم بعد ذلك للتصديق من قبل الموثق، وقد لا يحتاج إلى ذلك (تونس، المغرب، مصر، إلخ).
ففي فرنسا، ظلت استشارة المحامي، وإن لم تكن إلزامية بموجب القانون، نهجًا متبعا، وظل السند المحرر من قبل المحامي جزء من الممارسة القانونية، كما كان موضوع العديد من النصوص التنظيمية الواردة قانون 2011.
وماذا عن السنغال المجاورة؟ حيث لم يتم الاكتفاء بالنص على السند المحرر من طرف المحامي في قانون المحاماة فحسب، وإنما القانون نفسه يحدد بالتفصيل أتعاب المحامي!
إن السند المحرر من قبل المحامي يوفر للمهنيين والخواص حماية قانونية قوية في جميع مجالات القانون.
وبالفعل فإنه من خلال التوقيع على السند المحرر من طرفه، في ظل القيد المزدوج الذي يثقل كاهلً المحامي، ألا وهو السرية المهنية وغياب تضارب المصالح، يتعهد المحامي ويفيد بأن كلا من الطرفين تم إبلاغه تماما بآثار وعواقب السند المذكور، وبالتالي فإنه يضمن سلامة وفعالية العلاقة التعاقدية.
نزع النقاب عن بعض النقاط
قبل أن أنهي هذا المقال، لا يسعني إلا أن أدلي بدلوي في مناقشة بعض العبارات التي تم طرحها في بيان في منتهى الرسمية تم نشره من قبل أصدقائي الموثقين في محاولة منهم لإثبات أن المادة 116 مكرر من المدونة التجارية تتعارض مع القانون، وأنه يجب تعديلها نظرا لذلك.
ليكن واضحا للجميع أن هدفي ليس إطلاقا الدخول في جدل، خاصة مع موثقين من بينهم قانونيون موهوبون، ومن بينهم أيضا العديد من الأصدقاء.
إن هدفي هو جعل كل شيء في سياقه الصحيح، في ما يتعلق بالنقاط التي تمت إثارتها.
في ما يتعلق بعبارة "مكرر": يزعم الموثقون في بيانهم حول المادة 116 مكرر، أن مصطلح "مكرر" من شأنه إثارة الريبة وإظهار الطبيعة القسرية والمصطنعة لهذه المادة.
في الواقع، فإن مصطلح "bis" طبيعي ومحايد للأسباب التالية:
لقد أدخل إصلاح المدونة التجارية لسنة 2015 العديد من المواد الجديدة لتحديث نظامنا القانوني وجعله أكثر انسجاما مع الممارسات التجارية المعمول بها عالميا، وقد أضاف أحكامًا جديدة إلى المدونة التجارية وألغى أحكاما أخرى.
ولكن من أجل تسهيل الأمور، وبغية السماح للمستخدمين بالاستفادة من نفس التسهيلات في قراءة واستغلال المدونة، فإن إصلاح 2015 لم يغير أرقام مواد المدونة، وبالتالي، تم إدراج الأحكام الجديدة التي تمت إضافتها إلى مواد موجودة بالفعل، ولكن بسبب تقنيتها وأحيانًا خصوصيتها، فقد تم ترقيمها ترقيم المواد القديمة، مع إضافة عبارة "مكرر" و"ثالثًا" و"ثالثًا" »، الخ. فهي مواد جديدة، ولكنها لا تفسد الترقيم القديم. وعلى نفس المنوال، تم الاحتفاظ بالمواد التي تم إلغاؤها بالكامل بأرقامها، ولكن مع إضافة عبارة "تم إلغاء هذه المادة". إنها تقنية تدوين معروفة تستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم بما في ذلك موريتانيا. وفي هذا الصدد، يكفي أن نشير إلى أن نفس الأسلوب يستخدم في موريتانيا كل سنة في المسائل الضريبية للتعديلات والتغييرات التي يتم إجراؤها على القانون العام للضرائب.
فيما يتعلق برسائل البريد التي كان من المقرر أن ترسلها الرابطة المهنية لبنوك موريتانيا (APBM) إلى البنك المركزي، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون نقضًا للقاعدة المقدمة بموجب المادة 116 مكرر، أو عدم قابليتها للتطبيق. إن تلك المراسلات ناجمة في الواقع عن الرفض المتعمد وغير المبرر لموثقي العقود لتطبيق هذه القاعدة القانونية، وقد أسفر عن هذا الرفض فعلًا تعطيل جميع أعمال التوثيق المقدمة من طرف البنوك.
يزعم البعض أن هذا الإجراء كان من شأنه أن يعطي "الحق للمحامي، إلى جانب الموثق، في صياغة العقود، ولكن دون تحمل نفس المسؤولية المدنية والجنائية".
في هذا الصدد، تجدر الإشارة أولاً إلى أن هذا الإجراء لم يمنح الحق للمحامي "إلى جانب موثق العقود". فصياغة العقود في الواقع لم تكن أبدا موكلة للمحامي [و] الموثق. فهي من صميم المجال الخاص بالمحامي. فالموثق مسؤوليته الوحيدة هي تصديق العقود. فالأمر واضح أيضًا وصريح جدًا في القانون 97-019 المتضمن نظام موثقي العقود الذي ينص صراحة على أن "الموثقين" يتلقون عقودًا لتصديقها، مما يعني بوضوح أن العقود قد تمت صياغتها بالفعل بين الأطراف.
وتجدر الإشارة بعد ذلك إلى أن المسؤولية المدنية والجنائية لموثقي العقود تختلف عن مسؤولية المحامين بسبب اختلاف مجالات تدخلهم. يمنح الموثقون المصداقية للوثيقة العرفية، مع كامل قوة الوقار والاعتراض الناجمة عن ذلك. فهم "ضباط عموميون"، بموجب الشروط نفسها المنصوص عليها في قانون 1997، يتم تعيينهم من طرف وزير العدل الذي يمنحهم سلطة التصديق على السندات القانونية أو القضائية. لذلك من الطبيعي أن يمنحهم القانون مسؤولية منفصلة عن مسؤولية المحامين الذين لديهم فقط مهمة تقديم المشورة للأطراف.
فمجرد صياغة العقد من قبل محام لا يجعله مصدقا. إن العقد لا يكتسي الطابع الأصلي إلا بتصديقه من طرف موثق العقود.
لذلك لا يوجد خلط بين المهمتين، ولا أي انتهاك للنصوص المطبقة لنظام موثقي العقود أو لمهنة المحاماة.
وفي الأخير، أود أن أوضح أن الملاحظات الواردة أعلاه ملزمة لمؤلفيها فقط.
ومن الواضح أن ما ورد هنا لا يمثل موقف المحامين بشكل عام، ولا موقف مجلس السلك الوطني للمحامين (الذي له طرقه ووسائله الخاصة به للتعبير).
إنني أفضل أن يعتبر هذا المقال شهادة من ممارس للقانون، رافق إصلاح المدونة التجارية لسنة 2015، حريص كل الحرص على أن يرى بلده تتم فيه ممارسة القانون على نطاق واسع وبشكل صحيح.
بقلم /ذ اليزيد ولد اليزيد
للتذكير، تجدر الإشارة إلى أن المادة 116 مكرر تشكل جزء من مجموعة من التعديلات التشريعية التي أدخلها، سنة 2015، الإصلاح الذي أجري على المدونة التجارية بهدف تحديث القواعد القانونية المتعلقة بالتجارة وجعل تشريعاتنا منسجمة مع المعايير الدولية.
مبررات المادة 116:
فنحن حين نتفحص مجال الأعمال، ندرك بسهولة أن الصياغة الإجبارية لبعض العقود من قبل المحامي أصبحت اليوم ضرورية بفعل التطور الذي تعرفه الأنشطة الاقتصادية.
ولكي يتمكن الاقتصاد من التطور الفعلي وبشكل صحيح، فإنه لا بد على الأقل، من توفر شرطين اثنين هما:
أن يكون الوكلاء الاقتصاديون يدركون كل الإدراك حقوقهم والتزاماتهم حتى يكون بإمكانهم الالتزام وهم على بينة من أمرهم؛
أن تكون الالتزامات، فور توقيع التعاقد، تتسم بالاستقرار، وأن يتم تنفيذها بشكل طبيعي وهادئ يضمن الاستمرارية على المدى الطويل.
فبدون معرفة محتوى الالتزامات واستقرارها، يبقى الاقتصاد في حالة من عدم الاستقرار والحيرة، ويكون حتما معرضا للخطر.
وبما أنه لا يسمح لأي وكيل اقتصادي بالقول: "لم أكن أعرف ...". فإنه أيضا لا ينبغي أن تكون الدولة، التي هي الضامن للتوازن الاجتماعي، في وضعية تجعلها تسمح بإجراء معاملات اقتصادية خارج نطاق القانون.
وعلاوة على ذلك، فإن معرفة القانون تم ترسيخها بصفتها مبدأ دستوريا مؤكدا في الدستور الموريتاني الذي ينص في مادته 17 على ما يلي: "لا عذر لأحد في جهل القانون".
من هنا تتبين ضرورة استشارة المحامي، ابتداءً من مستوى معين من أهمية الالتزامات، سواء كان ذلك من باب ضرورة حماية مصالح الأطراف، أو من باب ضمان استقرار المعاملات وتجنيب الاقتصاد الوطني التجاوزات التي قد تنجم عن عدم تنفيذ العقود.
هذا ما يفسر كون الإضافات الهامة التي أدخلت سنة 2015 على المدونة التجارية شملت إلزامية تحرير العقود المتعلقة برأس المال التجاري وكذلك جميع العقود التي تحتاج التصديق من قبل موثق العقود.
يتناول التعديل الوارد في المادة 116 العديد من الاهتمامات:
- ضمان المساعدة والمشورة القانونية اللازمة للأطراف؛
- ضمان الأمان القانوني للمعاملات التي تشكل أساس النشاط الاقتصادي؛
- استباق المصادر المحتملة للنزاعات على مستوى العقد، وإيجاد حلول لها بغية حماية الاتفاقية وعدم اللجوء إلى المحاكم.
إن الإصلاح الذي تم القيام به سنة 2015 لم يأت صدفة. لقد لوحظ بالفعل، شيوع ممارسة متجذرة إلى حد ما في موريتانيا، تتمثل في التكليف المباشرة لموثق العقود بتحرير العمليات القانونية ذات الأهمية القصوى، مثل إنشاء الشركات (صياغة النظام الأساسي) أو بعض المعاملات المعقدة (في ما يتعلق بالعقارات أو العلاقات مع الخارج وما إلى ذلك).
إن موثق العقود رجل قانون بالتأكيد، إلا أنه قد يكون غير مؤهل لإسداء هذا النوع من الخدمات، فهو في معظم الأحيان يوفر للأطراف نصوصا محررة مسبقًا، لا تتكيف مع الوضعيات الخاصة.
في الواقع، كان الاستنتاج الذي تم التوصل إليه هو أن الموثقين لديهم نماذج من العقود والمعاملات النموذجية (النظام الأساسي، عقود إيجار وبيع العقارات، وما إلى ذلك) التي يوقعها الأطراف دون تحليل البيانات المعينة للعملية القانونية المتوخاة، ودون استفادتهم من المساعدة القانونية اللازمة، الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى نشوء نزاعات على مستوى التطبيق، ويكرس أيضا لدى الأطراف عدم الأمان القانوني.
وبهذه الطريقة، يقدم موثق العقود لموكله "تسهيلًا" قانونيًا، لكنه لا يوفر له مساعدة قانونية مهنية تضمن حماية المعاملة.
على المستوى القانوني، فإن إسداء هذه الخدمة يحظره بشكل صارم قانون 1997 المتضمن نظام موثقي العقود، والذي نص في مادته الأولى على أن مهمته الموثق تقتصر على "استقبال" العقود التي يرغب الأطراف في منحها طابعا موثقا، كما أن الماد 6 من نفس النظام نصت على أن ممارسة وظيفة التوثيق تتنافى مع ممارسة أي وظيفة عامة أو خاصة أخرى، مما يمنع بطبيعة الحال موثقي العقود من ممارسة وظيفة الاستشارة القانونية الخاصة قانونيًا بالمحامين.
في هذا المنوال، يجب أن نكون حريصين على عدم الخلط وأن نأخذ في الاعتبار أن "العقود" التي يتم إعدادها من قبل مساعدي موثق العقود المحلفين طبقا لمقتضيات المادة 19 من قانون 1997 المتضمن نظام موثقي العقود، لا تعتبر فتاوى قانونية ولا عقودا، ولا يمكن أن تقاس عليها، ولكن ببساطة تتعلق بالمستندات التي يتعين على الموثق تحريرها من خلال استلام العقود والسندات التي يرغب الطرفان في منحها المصداقية القانونية.
لهذا السبب، جاء إصلاح المدونة التجارية، من بين عديد التعديلات الأخرى التي أجريت سنة 2015، لتصحيح هذا الموقف عبر المادة 116 مكرر.
مقاومة موثقي العقود للإصلاح
لقد لوحظ، منذ البداية، وقوف موثقي العقود الموريتانيين بشدة في وجه الإصلاحات التي أجريت سنة 2015 على المدونة التجارية.
نذكر هنا للتاريخ، أن الاستشاريين المكلفين بإصلاح المدونة التجارية قاموا في 20 و 21 نوفمبر 2014، تحت رعاية وزارة العدل التي أشرفت على هذا التعديل، بإنعاش الورشة الأولي للمصادقة على مشروع القانون. وقد حضر الورشة كافة الفاعلة في مجال العدالة المعنيين بتطبيق المدونة التجارية (من قضاة، وكتبة ضبط، وموثقي عقود، ومنفذين عدليين، ومحامين، وكذلك وزارة التجارة، والغرفة التجارية، إلخ)، وقد أسندت رئاسة الورشة لممثل وزير العدل، وقد لعب هذا الأخير دور مقرر الورشة.
خلال الورشة، عارض ممثلو موثقي العقود بشدة مشروع المادة 116 مكرر على أساس أنه يشكل بالنسبة لهم منافسة من جانب المحامين. وبعد نقاش واسع حول القضية، لم تكن الحجج المقدمة من طرف موثقي العقود مقنعة بالنسبة للمشاركين في الورشة، وقررت هذه الأخيرة، على لسان المقرر، الإبقاء على المادة 116 و المصادقة عليها.
في الحقيقة، لا يمكن لأي نقاش جاد إلا أن يؤدي إلى إجازة هذا التعديل الهام، وأنا أعترف أنني إلى حد الساعة، ما زلت لا أستطيع استيعاب رفض هذا التعديل من قبل موثقي العقود.
يجب التنبيه هنا إلى أن هذا الإجراء لا يؤثر في الواقع على مصالح موثقي العقود، فمجال تدخل هؤلاء محدد بموجب القانون ومحمي، ولا يهدده هذا الإجراء بأي حال من الأحوال، لا في مجاله (تصديق العقود)، ولا يقلل من أجره (الأتعاب).
وإذا ما تم تطبيق هذا الإجراء بشكل صحيح، فإنه سيسمح لموثقي العقود باستلام عقود تم بالفعل إعدادها والموافقة عليها من قبل الأطراف، مما يمكن الموثقين، مع ضمان تمسكهم بوظائفهم (ودخلهم)، من عدم تحمل مسؤوليات ما من داع لتحملها أصلا.
إن استحداث المادة 116 مكرر لا يتضمن أي خلط بين مهمة المحامي المتمثلة في تقديم المشورة القانونية وصياغة البنود، ومهمة موثق العقود المتمثلة في توثيق المستندات.
على الرغم من ذلك، ظل لوبي الموثقين الموريتانيين، منذ العام 2015، يعارض التنفيذ الفعلي لهذا الإجراء. وحده نشاط هذا اللوبي يمكن أن يفسر مشروع القانون المقدم لمجلس الوزراء في 19 سبتمبر 2019.
نعتقد أن هذا المشروع يشكل خطوة إلى الوراء، ويمكن أن يعرض الأمان القانوني للعمليات الاقتصادية وشفافيتها للخطر، مما سيعيق بشكل خطير الجهود المبذولة حتى الآن لتنقية المعاملات المالية والاقتصادية في بلدنا.
علاوة على ذلك، قد لا يكون من غير المجدي التذكير بأن العديد من الدول القريبة منا بفعل القانون أو الثقافة، جعلت صياغة بعض المستندات من قبل المحامي إلزامية، والتذكير أيضا بأن هذه المستندات قد تقدم بعد ذلك للتصديق من قبل الموثق، وقد لا يحتاج إلى ذلك (تونس، المغرب، مصر، إلخ).
ففي فرنسا، ظلت استشارة المحامي، وإن لم تكن إلزامية بموجب القانون، نهجًا متبعا، وظل السند المحرر من قبل المحامي جزء من الممارسة القانونية، كما كان موضوع العديد من النصوص التنظيمية الواردة قانون 2011.
وماذا عن السنغال المجاورة؟ حيث لم يتم الاكتفاء بالنص على السند المحرر من طرف المحامي في قانون المحاماة فحسب، وإنما القانون نفسه يحدد بالتفصيل أتعاب المحامي!
إن السند المحرر من قبل المحامي يوفر للمهنيين والخواص حماية قانونية قوية في جميع مجالات القانون.
وبالفعل فإنه من خلال التوقيع على السند المحرر من طرفه، في ظل القيد المزدوج الذي يثقل كاهلً المحامي، ألا وهو السرية المهنية وغياب تضارب المصالح، يتعهد المحامي ويفيد بأن كلا من الطرفين تم إبلاغه تماما بآثار وعواقب السند المذكور، وبالتالي فإنه يضمن سلامة وفعالية العلاقة التعاقدية.
نزع النقاب عن بعض النقاط
قبل أن أنهي هذا المقال، لا يسعني إلا أن أدلي بدلوي في مناقشة بعض العبارات التي تم طرحها في بيان في منتهى الرسمية تم نشره من قبل أصدقائي الموثقين في محاولة منهم لإثبات أن المادة 116 مكرر من المدونة التجارية تتعارض مع القانون، وأنه يجب تعديلها نظرا لذلك.
ليكن واضحا للجميع أن هدفي ليس إطلاقا الدخول في جدل، خاصة مع موثقين من بينهم قانونيون موهوبون، ومن بينهم أيضا العديد من الأصدقاء.
إن هدفي هو جعل كل شيء في سياقه الصحيح، في ما يتعلق بالنقاط التي تمت إثارتها.
في ما يتعلق بعبارة "مكرر": يزعم الموثقون في بيانهم حول المادة 116 مكرر، أن مصطلح "مكرر" من شأنه إثارة الريبة وإظهار الطبيعة القسرية والمصطنعة لهذه المادة.
في الواقع، فإن مصطلح "bis" طبيعي ومحايد للأسباب التالية:
لقد أدخل إصلاح المدونة التجارية لسنة 2015 العديد من المواد الجديدة لتحديث نظامنا القانوني وجعله أكثر انسجاما مع الممارسات التجارية المعمول بها عالميا، وقد أضاف أحكامًا جديدة إلى المدونة التجارية وألغى أحكاما أخرى.
ولكن من أجل تسهيل الأمور، وبغية السماح للمستخدمين بالاستفادة من نفس التسهيلات في قراءة واستغلال المدونة، فإن إصلاح 2015 لم يغير أرقام مواد المدونة، وبالتالي، تم إدراج الأحكام الجديدة التي تمت إضافتها إلى مواد موجودة بالفعل، ولكن بسبب تقنيتها وأحيانًا خصوصيتها، فقد تم ترقيمها ترقيم المواد القديمة، مع إضافة عبارة "مكرر" و"ثالثًا" و"ثالثًا" »، الخ. فهي مواد جديدة، ولكنها لا تفسد الترقيم القديم. وعلى نفس المنوال، تم الاحتفاظ بالمواد التي تم إلغاؤها بالكامل بأرقامها، ولكن مع إضافة عبارة "تم إلغاء هذه المادة". إنها تقنية تدوين معروفة تستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم بما في ذلك موريتانيا. وفي هذا الصدد، يكفي أن نشير إلى أن نفس الأسلوب يستخدم في موريتانيا كل سنة في المسائل الضريبية للتعديلات والتغييرات التي يتم إجراؤها على القانون العام للضرائب.
فيما يتعلق برسائل البريد التي كان من المقرر أن ترسلها الرابطة المهنية لبنوك موريتانيا (APBM) إلى البنك المركزي، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون نقضًا للقاعدة المقدمة بموجب المادة 116 مكرر، أو عدم قابليتها للتطبيق. إن تلك المراسلات ناجمة في الواقع عن الرفض المتعمد وغير المبرر لموثقي العقود لتطبيق هذه القاعدة القانونية، وقد أسفر عن هذا الرفض فعلًا تعطيل جميع أعمال التوثيق المقدمة من طرف البنوك.
يزعم البعض أن هذا الإجراء كان من شأنه أن يعطي "الحق للمحامي، إلى جانب الموثق، في صياغة العقود، ولكن دون تحمل نفس المسؤولية المدنية والجنائية".
في هذا الصدد، تجدر الإشارة أولاً إلى أن هذا الإجراء لم يمنح الحق للمحامي "إلى جانب موثق العقود". فصياغة العقود في الواقع لم تكن أبدا موكلة للمحامي [و] الموثق. فهي من صميم المجال الخاص بالمحامي. فالموثق مسؤوليته الوحيدة هي تصديق العقود. فالأمر واضح أيضًا وصريح جدًا في القانون 97-019 المتضمن نظام موثقي العقود الذي ينص صراحة على أن "الموثقين" يتلقون عقودًا لتصديقها، مما يعني بوضوح أن العقود قد تمت صياغتها بالفعل بين الأطراف.
وتجدر الإشارة بعد ذلك إلى أن المسؤولية المدنية والجنائية لموثقي العقود تختلف عن مسؤولية المحامين بسبب اختلاف مجالات تدخلهم. يمنح الموثقون المصداقية للوثيقة العرفية، مع كامل قوة الوقار والاعتراض الناجمة عن ذلك. فهم "ضباط عموميون"، بموجب الشروط نفسها المنصوص عليها في قانون 1997، يتم تعيينهم من طرف وزير العدل الذي يمنحهم سلطة التصديق على السندات القانونية أو القضائية. لذلك من الطبيعي أن يمنحهم القانون مسؤولية منفصلة عن مسؤولية المحامين الذين لديهم فقط مهمة تقديم المشورة للأطراف.
فمجرد صياغة العقد من قبل محام لا يجعله مصدقا. إن العقد لا يكتسي الطابع الأصلي إلا بتصديقه من طرف موثق العقود.
لذلك لا يوجد خلط بين المهمتين، ولا أي انتهاك للنصوص المطبقة لنظام موثقي العقود أو لمهنة المحاماة.
وفي الأخير، أود أن أوضح أن الملاحظات الواردة أعلاه ملزمة لمؤلفيها فقط.
ومن الواضح أن ما ورد هنا لا يمثل موقف المحامين بشكل عام، ولا موقف مجلس السلك الوطني للمحامين (الذي له طرقه ووسائله الخاصة به للتعبير).
إنني أفضل أن يعتبر هذا المقال شهادة من ممارس للقانون، رافق إصلاح المدونة التجارية لسنة 2015، حريص كل الحرص على أن يرى بلده تتم فيه ممارسة القانون على نطاق واسع وبشكل صحيح.
بقلم /ذ اليزيد ولد اليزيد