حديث في الحراسة النظرية .. بقلم القاضي محمد ينج ولد محمد محمود
الحراسة النظرية هي إجراء بموجبه يُخضع ضابط شرطة قضائية شخصا رهن الاعتقال في مكان مخصّص لذلك كثيرا ما يكون محلّ عمل الضابط لأسباب معينة ولمدد محدودة ويستمد الحديث عن الحراسة النظرية أهميته من أمور منها:
- خطورة هذا الإجراء باعتباره قيدا على حرّية التنقل كثيرا ما ينتج عنه تقييد غيرها من الحريات التي تعتبر حقّا مضمونا بالدستور الوطني قبل صدور حكم قضائي يأذن بذلك ممّا يمكن أن يمس بمبدإ البراءة المنصوص عليه بكثير من النصوص الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادقت عليها موريتانيا
- أنّ النصوص المنظمة لهذا الإجراء متعددة ومتشعبة وبعضها حديث ممّا يجعل تناولها يلعب دورا مهمّا في التعريف بهذه النصوص ... وسنتناول الحراسة النظرية في مبحثين نتناول في أولهما من له وضع الشخص في الحراسة النظرية و أسباب الوضع فيها ومددها لنخصّص المبحث الثاني للتعرض لبعض حقوق الشخص الخاضع للحراسة النظرية وآثار المساس بجزء من هذه الحقوق
المبحث الأول: من له وضع الأشخاص في الحراسة النظرية و أسباب الوضع فيها ومددها
الفقرة الأولى: من له أن يضع الشخص في الحراسة النظرية
انطلاقا من النصوص المتعلقة بالحراسة النظرية خاصة قانون الإجراءات الجنائية وقانون الحماية الجنائية للطفل لا يمكن أن يوضع الشخص في الحراسة النظرية في أغلب الأحيان إلا من طرف ضابط شرطة قضائية ومن أهمّ ضباط الشرطة القضائية حسب المادة: 19 من ق إ ج:
1- ولاة الولايات
2- حكام المقاطعات ورؤساء المراكز الإدارية
3- مدير الأمن الوطني
4- مفوضو الشرطة وضباطها ومفتشو الشرطة الوطنية المعينون ضباط شرطة قضائية بمقرّر مشترك بين وزير العدل والداخلية بناء على اقتراح من المدعي العام
5- ضباط الدرك الوطني ومساعدوهم الذين لهم رتبة مساوية لرتبة رقيب أو رتبة أعلى منها ورجال الدرك الذين يكلفون بقيادة فرقة أو مركز
6- قائد الحرس الوطني وضباط الحرس الوطني بشرط موافقة وزير العدل بالنسبة للأخيرين
7- قواد الفرق الرحالة من الجيش الوطني
8- قواد الفرق الرحالة من الحرس الوطني
الفقرة الثانية: أسباب الوضع في الحراسة النظرية
انطلاقا من القواعد العامة للقانون يمكن أن يوضع الشخص رهن الحراسة النظرية لعدّة أسباب منها:
1- قيام أدلّة قوية ومتطابقة ضدّه أعني الشخص تشي بأنّه ارتكب أو شارك في ارتكاب جريمة أو حاول ارتكابها أو شارك في محاولة ارتكابها وذلك حسب المفهوم من نصّ الفقرة الثانية من المادة: 57 من ق إ ج والفقرة الأولى من المادة: 70 من ق إ ج
2- صدور بطاقة إحضار ضدّه من طرف قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية ففي حالة توقيفه تنفيذا للبطاقة من طرف ضابط شرطة قضائية خارج اختصاص المحكمة التي يعمل فيها القاضي مصدر البطاقة فإنّه يمكنه أن يخضعه للحراسة النظرية تطبيقا للمادة: 113 من ق إ ج ...
الفقرة الثالثة: المدد التي يمكن أن يقضي الشخص رهن الحراسة النظرية
انطلاقا ممّا تشي به المادة:57 من ق إ ج والمادة: 24 من ق م م والمادة:23 من ق م إ والمادة: 101- من ق ح ج ط والمادة: 27 من قانون مكافحة الفساد يتضح تمييز القانون الموريتاني في هذا المجال أي مدد الحراسة النظرية انطلاقا من طبيعة الجريمة وذلك على النحو التالي:
1- الجرائم العادية: ثمان وأربعون (48) ساعة لا تدخل فيها عطلة الأسبوع ولا أيام الأعياد الوطنية ويمكن أن تمدّد هذه المدة مرّة واحدة بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية لتصل 96 ساعة تطبيقا للفقرة الثانية من المادة:57 من ق إ ج كما يمكن أن تضاف إلى الثمان والأربعين ساعة مدّة يوم عن مسافة كلّ مائة كلم بالنسبة للمناطق البعيدة على أن لا تتجاوز في مجموعها مدّة 48 وأربعين ساعة حسب نصّ الفقرة الثالثة من ذات المادة أي المادة: 57 وفي جرائم الفساد يمكن أن تمدّد مدّة 48 ساعة 3 مرّات بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية تطبيقا للمادة: 27 من قانون مكافحة الفساد
2- الجرائم المتعلقة بالمخدرات ذات الخطر: وتصل مدّة الحراسة النظرية فيها ثلاثة (3) أيام قابلة للتجديد مرتين تطبيقا للمادة: 24 من ق م م
3- الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي: وتصل مدّة الحراسة النظرية فيها خمسة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية دون أن تتجاوز مدة الحراسة النظرية فيها في مجملها خمسة عشر يوما في هذا النوع من الجرائم تطبيقا للمادة:57 من ق إ ج
4- الجرائم الإرهابية: تصل مدّة الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية خمسة عشر (15) يوما قابلة للتجديد مرتين تطبيقا للمادة: 23 من ق م إ ويشار إلى أنّه يمكن أن يفهم من قرار المجلس الدستوري رقم: 01/ 2010 أنّ هذه المادة تنتهك حقّ المعتقل في العرض على سلطة قضائية في وقت قريب من اعتقاله وبالتالي فهي غير دستورية كما أنّها مخالفة للبند الثالث من المادة: 9 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي جاء فيه: ( يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين ) والبند الخامس من المادة: 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي جاءت فيه مقتضيات مشابهة هذا بالنسبة للبالغ أمّا القاصر فلا يمكن لضابط الشرطة القضائية وضعه رهن الحراسة النظرية إلا بشروط من أهمّها:
* إذن من وكيل الجمهورية بوضع القاصر رهن الحراسة النظرية
*أن يكون عمر القاصر: 15 سنة فما فوق ولأسباب على درجة عالية من الخطورة
ويجب أن لا تتجاوز مدّتها 24 ساعة وهذه المدة قابلة للتجديد مرّة واحدة بإذن من وكيل الجمهورية أو القاضي المختص وذلك تطبيقا للمادة: 101 من ق ح ج ط ويشار إلى أنّه في فرنسا يمكن أن تمتد الحراسته النظرية بالنسبة للقاصر الذي يتجاوز عمره: 16 سنة مدّة 4 أيام في المتابعات المتعلقة بالجريمة المنظمة تطبيقا للمادة: 706- 88 وذلك بعد إحضاره لوكيل الجمهورية Jean Pradel procédure pénale Cujas édition 2008-2009 p 505
المبحث الثاني: حقوق الشخص الخاضع للحراسة النظرية وآثار المساس بها
سنقسم هذا المبحث إلى فقرتين نخصّص الأولى منها للحديث عن بعض حقوق الشخص الخاضع للحراسة النظرية بينما نتعرض في الفقرة الثانية لآثار المساس ببعض هذه الحقوق
الفقرة الأولى: حقوق الشخص الخاضع للحراسة النظرية
منح المشرع الخاضع للحراسة النظرية عدة حقوق منها على سبيل المثال:
1- وجوب إخباره بسبب اعتقاله: تطبيقا للمادة: 23 من ق إ ج وحسب المفهوم من المادة: 4 من القانون رقم: 2015/ 33 المتعلق بمناهضة التعذيب والمادة: 9 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والمادة: 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يذكر للشخص سبب وضعه تحت الحراسة النظرية فور إخضاعه لها وإذا كان الشخص من أهل القانون يمكن في هذه الحالة أن يبين للضابط أنّ الفعل غير مجرّم
2- وجوب إخبار وكيل الجمهورية بالاعتقال: يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يخبر وكيل الجمهورية فورا بإخضاعه للمعني لهذا الإجراء والسبب الذي دفعه إلى إخضاعه له وإذا كان الفعل غير مجرّم بين وكيل الجمهورية ذلك لضابط الشرطة القضائية وأمره بإطلاق سراح المعتقل فورا ويشار إلى أنّ وكيل الجمهورية هو من يراقب الوضع في الحراسة النظرية تطبيقا للفقرة الخامسة من المادة: 59 من ق إ ج كما أنّ الضابط ملزم بتبرير جميع تصرفاته لوكيل الجمهورية طبقا للفقرة الأخيرة من المادة: 57 من ق إ ج ويشار إلى أنّ المادتين: 63 و 77 من مدونة الإجراءات الفرنسية تلزمان الضابط بإشعار وكيل الجمهورية بوضع أيّ شخص تحت الحراسة وذلك في بدايتهاGilbert Azibert code de procédure pénale lexisnexis – Litec édition 2011 pp 75- 87
3- الإخبار بالحقّ في الاتصال بأحد أقاربه: يجب على الضابط إشعار المعتقل بأنّ له الحقّ في الاتصال بأحد أقاربه أو أيّ شخص آخر يريد الاتصال به وذلك بعد تقريّر إخضاعه للحراسة النظرية وذلك تطبيقا للفقرة الثانية من المادة: 58 من ق إ ج والمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وجاءت في المادة: 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان مقتضيات مشابهة
4- الإخبار بالحقّ في الاتصال بمحام: تطبيقا للمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب أصبح من الواجب على ضابط الشرطة القضائية عند توقيفه لأيّ شخص بقصد إخضاعه للحراسة النظرية أن يخبره بأنّ له الحقّ في الاتصال بمحاميه بمجرد توقيفه وأنّ له الحقّ في تعهيد محام كما أنّ للمحامي المتعهد الاتصال بزبونه متى شاء وتقديم ملاحظات مكتوبة تضاف للملف حتى لو كان الشخص معتقلا بسب جرائم إرهابية أو وقائع متعلقة بجرائم أمن الدولة وذلك لعدة أسباب منها:
*أنّ قانون مناهضة التعذيب مساو من حيث الدرجة لقانون الإجراءات الجنائية وقانون الإرهاب وصدر بعدهما
* أنّ القوانين يجب أن تفهم وتفسر بشكل يصب في تعزيز صيانة الحريات الفردية
ورغم أنّ اتصال الشخص بمحاميه يقع تحت رقابة ضابط الشرطة القضائية فإنّه يجب أن يتمّ في ظروف تكفل حماية حقوق الدفاع بما في ذلك سرية ما دار بين المعتقل ومحاميه وذلك تطبيقا للفقرة الرابعة من المادة: 58 من ق إ ج ونشير إلى أنّ هذا الاتصال مدّته - تكون على الأقلّ - ثلاثون دقيقة ويقع دون إذن من وكيل الجمهورية غير أنّ الضابط يمكن أن يشعره به ولا يمكن لأيّ كان - انطلاقا من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب - الوقوف دون هذا الاتصال ولا تأخيره هذا بالنسبة للبالغ أمّا القاصر فيجب أن يوفر له محام ومساعدة اجتماعية أثناء الحراسة النظرية وذلك تطبيقا للمادة: 101 و 103 من ق ح ج ط
5- وجوب إخباره بأنّ له الحقّ في أن يعرض نفسه على طبيب: تطبيقا لذات المادة أي المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب يجب على الضابط أن يخبر المعتقل فور إخضاعه للحراسة النظرية بأنّ له الحقّ في عرض نفسه على طبيب هذا بالنسبة للبالغ أمّا القاصر فإنّه يجب أن يعرض على طبيب من طرف ضابط الشرطة القضائية تطبيقا للمادة: 102 من ح م ج ط
6- وجوب إخباره بأنّ له الحقّ في طلب المساعدة القضائية: تطبيقا للمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب يجب على الضابط إخبار الموقوف بأنّ له الحقّ في طلب المساعدة القضائية والحصول عليها مع أنّ هذا القانون لم يحدّد إجراءات سهلة لتطبيق هذا البند من ناحية الحصول على هذا الحقّ وفي ظلّ النصوص الحالية والفهم السائد لها يصعب تصور حصول أيّ شخص بالغ مهما كانت تهمته على المساعدة القضائية أثناء الحراسة النظرية خاصة خارج المدن الكبرى مثل أنواكشوط ... نظرا لكثير من الأمور منها ندرة تواجد المحامين في كثير من الأماكن
7- منع الإخضاع للإكراه والتعذيب: لا يجوز لضابط الشرطة القضائية إخضاع المعتقل لأيّ إكراه أو تعذيب تطبيقا للمادتين: 1 و 10 من قانون مناهضة التعذيب والفقرة الأولى من المادة: 58 من ق إ ج وتعزيزا لكلّ ذلك جاء في الفقرة الأخيرة من المادة التمهيدية من ذات القانون أنّه: ( لا يعتد بالاعتراف المنتزع تحت التعذيب أو العنف أو الإكراه ) وتضمنت المادة: 6 من قانون مناهضة التعذيب مقتضيات مشابهة حيث جاء فيها أنّ: ( كلّ اعتراف ثبت أنّه تمّ الحصول عليه تحت التعذيب لا يمكن الاعتداد به كوسيلة إثبات .... ) كما جاء في المادة: 15 من القانون التوجيهي رقم: 2010/ 07 المتضمن النظام الأساسي للشرطة الوطنية أنّه: ( يُلزم أفراد الشرطة الوطنية بالامتناع عن كلّ عمل من شأنه المساس بالحريات الفردية والجماعية باستثناء الحالات المنصوص عليها في القانون وبصورة عامة كلّ المعاملات الفظة أو المذلة التي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان )
8- وجوب تقديم التغذية للمعتقل: يفهم من الفقرة الأولى من المادة: 58 و الفقرة الثانية من المادة: 59 الجميع من ق إ ج والمادتين: 2 و 10من قانون مناهضة التعذيب أن على ضابط الشرطة القضائية أن يقدم للمعتقل التغذية اللازمة لإعاشته طيلة الحراسة النظرية كما يجب أن يبين نوعها وأوقات تقديمها للمعتقل في المحضر الابتدائي ليتمكن كلّ من القضاء حارس الحريات الفردية ودفاع المتهم من معرفة ما إذا كان المعني خضع لتجويع وينطبق الأمر على الشراب وذلك باعتبار أن كلاّ من التعريض للعطش والجوع يدخل في مفهوم التعذيب ذلك أنّه عندما لا يبين المحضر تقديمها ووقته ويدعي المعتقل أنّه تمّ تعريضه للجوع والعطش يمكن أن يصدّقه القضاء لأنّ الأصل عدم تقديمها
9- وجوب عدم إرهاق الموقوف: لا يجوز تعريض الموقوف لأيّ معاملة حادة أو على درجة معينة من القسوة بحيث يكون من شأنها العمل على انهيار المعتقل وذلك تطبيقا للقواعد العامة و للفقرة الأولى من المادة: 58 و الفقرة الثانية من المادة: 59 الجميع من ق إ ج وكذلك الفقرة الأخير من المادة التمهيدية والمواد: 1 و 2 و 10 من قانون مناهضة التعذيب لذلك وتطبيقا للفقرة الثانية من المادة: 59 من ق إ ج يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يبين في المحضر أو قات الاستجوابات وطريقتها ومددها حتى يتمكن الدفاع والقضاء من معرفة ما إذا كان الضابط سعى من خلالها لإرهاق المتهم من أجل الحصول منه على معلومات بطريقة غير مشروعة وذلك باعتبار أنّ الإرهاق تعذيب
10- وجوب عدم حجز الموقوف في غير الأماكن المخصصة للحجز: بموجب هذا الحقّ يجب على ضابط الشرطة القضائية أن لا يحتجز أيّ شخص إلا في الأماكن المحدّدة لذلك قانونا والتي يجب أن تكون نظيفة وتتسع للفصل بين الجنسين وذلك تطبيقا للقواعد العامة وللمادة: 5 من قانون مناهضة التعذيب والفقرة الأولى من المادة: 58 من ق إ ج
11- وجوب إطلاق سراح المعتقل أو إحالته إلى وكيل الجمهورية: تطبيقا للفقرة الخامسة من المادة: 57 من ق إ ج يجب على ضابط الشرطة القضائية فور انتهاء الحراسة النظرية أن يطلق سراح المعتقل أو أن يقدمه لوكيل الجمهورية وذلك تحت طائلة المتابعة بجريمة الحبس التحكمي الفعل المجرم والمعاقب طبقا للمادة: 319 وما بعدها في بابها من ق ج ....
وفي ختامي حديثي عن هذه الحقوق أشير إلى أنّ الإخبار بها يجب أن يثبت هو وتاريخه في المحضر وإلا يجب اعتباره كأن لم يكن صيانة لحقوق الدفاع وقياسا على الإعذار الذي يجب على القاضي إثباته فإذا لم تصدق الشريعة الإسلامية القاضي في صحّة إجراءاته كان فيها من باب أولى وجوب إثبات غيره لصحة إجراءاته (البهجة فيش رح التحفة أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي ج1 ص 164) ويشار إلى أنّ الشريعة هي المصدر الوحيد للقانون في موريتانيا
الفقرة الثانية: آثار المساس بحقوق المعتقل
في البداية يجب التنبيه إلى أنّ الحقوق التي وردت في المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لحقوق الدفاع الأمر الذي دفع الغرفة الجزائية بمحكمة النقض الفرنسية في قرار صادر عنها بتاريخ: 30 إبريل 1996 إلى الزعم بأنّ مجرد التأخر في إخبار المعتقل بحقوق مشابهة لها في القانون الفرنسي لغير داع يشكل بذاته مساسا بمصالح المعتقل Jean Pradel procédure pénale op. cit. p 514 لذا سيقتصر حديثي هنا على أثر المساس بأكثرها أهمية بالنسبة لحقوق الدفاع وذلك على النحو التالي:
1- جزاء الإيذاء : يجب أن يرتب القضاء على أيّ تعذيب بل أيّ إيذاء للمتهم بطلان المحضر الابتدائي الذي حصل الإيذاء أثناء إنجازه وبموجبه وتجب الإشارة هنا إلى أمور منها:
• أنّ الغرفة الجنائية باستئنافية أنواكشوط في قرارها رقم: 102/ 2016 الصادر بتاريخ: 29/08/ 2016 في الملف رقم: 101 / 2016 قرّرت عدم الاعتداد بالأدلة التي حٌصل عليها في إطار البحث الابتدائي الذي يفترض انطلاقا من خبرة قامت بها الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب أنّ التعذيب حصل فيه بالنسبة للمتهمين رقم:5 و 12 وهو مجرد عمل بالمواد القانونية سالفة الذكر أي الفقرة الأخيرة من المادة التمهيدية من ق إ ج والمادة: 6 من قانون مناهضة التعذيب
• أنّه في حالات كثيرة يتمّ القبض على الشخص وقد تعرض للضرب على أيدي المارة وتكون آثار هذا الضرب بادية عليه ففي هذه الحالة والحالات المشابهة لها يجب على الضابط الذي قبض عليه في حالة ما لم يتمكن من القبض على من ضربوه أن يحرّر محضرا في الحال يثبت فيه وضعية المعتقل يوقعه معه شهود ممّن كانوا حاضرين وقت القبض عليه وذلك للحيلولة دون إمكانية ادعاء المعتقل أنّه تمّ تعذيبه من طرف الضابطة العدلية
• أنّ الضابط الذي عذّب أيّ معتقل ومهما كانت الأسباب التي دفعته إلى ذلك يمكن أن يتعرض للمتابعة بجريمة التعذيب المجرمة والمعاقبة بالمادة: 10من قانون مناهضة التعذيب بالسجن من 10 إلى 20 سنة هذا بالإضافة إلى جبر الضرر تطبيقا للقواعد العامة للمسئولية والمادة: 10 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ويشار إلى أنّ جريمة التعذيب لا تتقادم طبقا للفقرة الثانية من المادة: 1 من قانون مناهضة التعذيب التي جاء فيها: ( تشكل أفعال التعذيب .... جرائم ضدّ الإنسانية غير قابلة للتقادم )
2- جزاء تجاوز المدد المحددة للحراسة النظرية: نصت المادة: 60 من ق إ ج على أنّه يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي يخضع أيّ شخص للحراسة النظرية أن يسجل في السجل الخاص بها المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة: 59 من ق إ ج والنقطة السادسة من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وقت بدايتها وتاريخ انتهائها ويجب أن ينقل ذلك في محضر البحث الابتدائي الذي يشكل بداية ملف المتابعة ويجب أن يوقعه المعتقل ما لم يكن عاجزا عن التوقيع أو يرفضه ويشار إلى أنّ الأثر الذي يترتب على اعتقال الشخص مدة تتجاوز المدّة القانونية للحراسة النظرية هو بطلان محضر البحث الابتدائي في فرنسا ( Pierre Chambon / Christian Guéry droit et pratique de l’instruction préparatoire Dalloz 2007- 2008 p 652 ) أمّا في موريتانيا ورغم أنّ مدد الحراسة النظرية فيها طويلة جدّا فلم أسمع أنّ أيّ محكمة رتبت على تجاوزها أيّ بطلان هذا مع أنّني أرى أنّ تجاوزها يشكل مساسا بحقوق الدفاع انطلاقا ممّا ورد في النقطة الرابعة من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وفي ضوء الفقرة الأخيرة من ذات المادة التي جاء فيها أنّ جزاء تخلف مراعاة ما ورد فيها من مقتضيات هو البطلان النسبي على الأقل لمحضر البحث الابتدائي
3- جزاء منع الاتصال بالمحامي أو تأخيره: لا شكّ في أنّ منع المعتقل من الاتصال بمحاميه أو تأخير هذا الاتصال أو عدم توفير الظروف المناسبة لهذا الاتصال تصرفات تنتهك بشكل سافر حقوق الدفاع ونصّ وروح المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب ويترتب عليه هو وغيره من انتهاك الحقوق السابقة الواردة في هذه المادة أي المادة: 4 البطلان النسبي لمحضر البحث الابتدائي ويتعزز هذا المذهب في ضوء:
• أن الحيلولة بين المعتقل وبين الاتصال بمحاميه أو تأخير اتصاله به ماس بحقوق الدفاع قطعا وأنّ أيّ عمل تتضرّر منه حقوق الدفاع يمكن أن يترتب عليه بطلان الإجراءات التي أنجزت انتهاكا له حسب نصّ الفقرة الأولى من المادة: 169 من ق إ ج التي جاء فيها: ( يمكن أن تتعرض إجراءات التحقيق للبطلان إذا لم تراع فيها الشكليات المنصوص عليها في المادتين 101 و104 أو في المقتضيات والنصوص الأخرى الأساسية الواردة في هذا الباب، وفي حالة خرق حقوق الدفاع ) ونصّ الفقرة الثانية من المادة: 207 من ذات القانون التي نصّت بدورها على أنّ لغرفة الاتهام إبطال الإجراءات إذا أضرّ عدم صحتها بحقوق الدفاع أو بحقوق الطرف المدني وانتهاك هذه الحقوق ضار بحقوق الدفاع هذا بالنسبة للبالغ أمّا القاصر ونظرا لأنّ هناك قرينة غير قابلة لإثبات العكس بأنّه لا يمكنه أن يدافع عن نفسه بالشكل المطلوب ونظرا لأنّ القانون أوجب أن يعهد له محام في طور الحراسة النظرية عملا بما تمّت الإشارة إليه أعلاه فإنّ جزاء عدم تعهيد المحامي له يجب أن يكون البطلان المطلق أو النسبي على الأقل لمحضر البحث الابتدائي
• أنّ الصيغة التي تضمنت المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وما تمّ ختمها به من أنّ عدم احترامها يمكن أن يتعرض فاعله لعقوبات تأديبية وجنائية ممّا يعني أنّ الإخبار بما جاء فيها من حقوق وتمتيع المعتقل به مفروض تحت طائلة البطلان النسبي على الأقل
وفي ختام حديثي عن الحراسة النظرية بهذا الشكل الموجز أود التنبيه إلى الأمور التالية:
1- لا أتذكر أنّني وقعت عيني على محضر يستجيب لمقتضيات المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب من وجهة نظري على الأقلّ كما لم تقع على محضر يستجيب لما تمّ ذكره أعلاه بصفة كاملة وربما كان ذلك عائدا إلى أنّ النصوص التي صدرت حديثا لم ينظم حولها كثير من ورشات التحسيس بحيث لا تزال مجهولة من طرف بعض ضباط الشرطة القضائية وغيرهم ويعزز هذا المذهب عدم انتشار الجريدة الرسمية وصعوبة الحصول عليها لمن يقطنون في أنواكشوط وبهذه المناسبة أشكر العاملات فيها على ما يقدمن من عون لمرتاديها
2- أنّ من المهم التنبيه إلى أنّه في كثير من الأحيان وخارج حالات الإحالة في مساطر التلبس والحالة المنصوصة في المادة: 172 من ق إ ج المتعلقة بإمكانية إبطال محكمة الجنح للإجراءات أو بعضها ... لا تصل القضية محاكم الحكم إلا بعد أن تتحصن الإجراءات فيها طبقا للفقرة الثالثة من المادة: 183 من ق إ ج والمادة: 211 من ذات القانون وما تتضمنان من مقتضيات يفهم منها أنّه بعد تحصن قرار الإحالة لا تمكن إثارة عيوب الإجراءات لكن أيّ قضاء يؤمن بأنّه هو الحارس الفعلي للحريات الفردية وأنّ عليه التعبير عن قدرته على ذلك بشكل مقنع للمواطنين لن يرتب على إجراءات معيبة رغم أنّه لا يمكنه إبطالها قانونا ذات النتائج التي يرتب على محاضر صحيحة
وفي ختام حديثي عن الحراسة النظرية أرجو أن تثير هذه الأسطر اهتمام من هم أكثر منّي جدارة بتناول الموضوع فيشبعونه بحثا ونقاشا بشكل أكثر فائدة
بقلم: القاضي محمد ينج ولد محمد محمود
- خطورة هذا الإجراء باعتباره قيدا على حرّية التنقل كثيرا ما ينتج عنه تقييد غيرها من الحريات التي تعتبر حقّا مضمونا بالدستور الوطني قبل صدور حكم قضائي يأذن بذلك ممّا يمكن أن يمس بمبدإ البراءة المنصوص عليه بكثير من النصوص الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادقت عليها موريتانيا
- أنّ النصوص المنظمة لهذا الإجراء متعددة ومتشعبة وبعضها حديث ممّا يجعل تناولها يلعب دورا مهمّا في التعريف بهذه النصوص ... وسنتناول الحراسة النظرية في مبحثين نتناول في أولهما من له وضع الشخص في الحراسة النظرية و أسباب الوضع فيها ومددها لنخصّص المبحث الثاني للتعرض لبعض حقوق الشخص الخاضع للحراسة النظرية وآثار المساس بجزء من هذه الحقوق
المبحث الأول: من له وضع الأشخاص في الحراسة النظرية و أسباب الوضع فيها ومددها
الفقرة الأولى: من له أن يضع الشخص في الحراسة النظرية
انطلاقا من النصوص المتعلقة بالحراسة النظرية خاصة قانون الإجراءات الجنائية وقانون الحماية الجنائية للطفل لا يمكن أن يوضع الشخص في الحراسة النظرية في أغلب الأحيان إلا من طرف ضابط شرطة قضائية ومن أهمّ ضباط الشرطة القضائية حسب المادة: 19 من ق إ ج:
1- ولاة الولايات
2- حكام المقاطعات ورؤساء المراكز الإدارية
3- مدير الأمن الوطني
4- مفوضو الشرطة وضباطها ومفتشو الشرطة الوطنية المعينون ضباط شرطة قضائية بمقرّر مشترك بين وزير العدل والداخلية بناء على اقتراح من المدعي العام
5- ضباط الدرك الوطني ومساعدوهم الذين لهم رتبة مساوية لرتبة رقيب أو رتبة أعلى منها ورجال الدرك الذين يكلفون بقيادة فرقة أو مركز
6- قائد الحرس الوطني وضباط الحرس الوطني بشرط موافقة وزير العدل بالنسبة للأخيرين
7- قواد الفرق الرحالة من الجيش الوطني
8- قواد الفرق الرحالة من الحرس الوطني
الفقرة الثانية: أسباب الوضع في الحراسة النظرية
انطلاقا من القواعد العامة للقانون يمكن أن يوضع الشخص رهن الحراسة النظرية لعدّة أسباب منها:
1- قيام أدلّة قوية ومتطابقة ضدّه أعني الشخص تشي بأنّه ارتكب أو شارك في ارتكاب جريمة أو حاول ارتكابها أو شارك في محاولة ارتكابها وذلك حسب المفهوم من نصّ الفقرة الثانية من المادة: 57 من ق إ ج والفقرة الأولى من المادة: 70 من ق إ ج
2- صدور بطاقة إحضار ضدّه من طرف قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية ففي حالة توقيفه تنفيذا للبطاقة من طرف ضابط شرطة قضائية خارج اختصاص المحكمة التي يعمل فيها القاضي مصدر البطاقة فإنّه يمكنه أن يخضعه للحراسة النظرية تطبيقا للمادة: 113 من ق إ ج ...
الفقرة الثالثة: المدد التي يمكن أن يقضي الشخص رهن الحراسة النظرية
انطلاقا ممّا تشي به المادة:57 من ق إ ج والمادة: 24 من ق م م والمادة:23 من ق م إ والمادة: 101- من ق ح ج ط والمادة: 27 من قانون مكافحة الفساد يتضح تمييز القانون الموريتاني في هذا المجال أي مدد الحراسة النظرية انطلاقا من طبيعة الجريمة وذلك على النحو التالي:
1- الجرائم العادية: ثمان وأربعون (48) ساعة لا تدخل فيها عطلة الأسبوع ولا أيام الأعياد الوطنية ويمكن أن تمدّد هذه المدة مرّة واحدة بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية لتصل 96 ساعة تطبيقا للفقرة الثانية من المادة:57 من ق إ ج كما يمكن أن تضاف إلى الثمان والأربعين ساعة مدّة يوم عن مسافة كلّ مائة كلم بالنسبة للمناطق البعيدة على أن لا تتجاوز في مجموعها مدّة 48 وأربعين ساعة حسب نصّ الفقرة الثالثة من ذات المادة أي المادة: 57 وفي جرائم الفساد يمكن أن تمدّد مدّة 48 ساعة 3 مرّات بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية تطبيقا للمادة: 27 من قانون مكافحة الفساد
2- الجرائم المتعلقة بالمخدرات ذات الخطر: وتصل مدّة الحراسة النظرية فيها ثلاثة (3) أيام قابلة للتجديد مرتين تطبيقا للمادة: 24 من ق م م
3- الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي: وتصل مدّة الحراسة النظرية فيها خمسة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية دون أن تتجاوز مدة الحراسة النظرية فيها في مجملها خمسة عشر يوما في هذا النوع من الجرائم تطبيقا للمادة:57 من ق إ ج
4- الجرائم الإرهابية: تصل مدّة الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية خمسة عشر (15) يوما قابلة للتجديد مرتين تطبيقا للمادة: 23 من ق م إ ويشار إلى أنّه يمكن أن يفهم من قرار المجلس الدستوري رقم: 01/ 2010 أنّ هذه المادة تنتهك حقّ المعتقل في العرض على سلطة قضائية في وقت قريب من اعتقاله وبالتالي فهي غير دستورية كما أنّها مخالفة للبند الثالث من المادة: 9 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي جاء فيه: ( يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين ) والبند الخامس من المادة: 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي جاءت فيه مقتضيات مشابهة هذا بالنسبة للبالغ أمّا القاصر فلا يمكن لضابط الشرطة القضائية وضعه رهن الحراسة النظرية إلا بشروط من أهمّها:
* إذن من وكيل الجمهورية بوضع القاصر رهن الحراسة النظرية
*أن يكون عمر القاصر: 15 سنة فما فوق ولأسباب على درجة عالية من الخطورة
ويجب أن لا تتجاوز مدّتها 24 ساعة وهذه المدة قابلة للتجديد مرّة واحدة بإذن من وكيل الجمهورية أو القاضي المختص وذلك تطبيقا للمادة: 101 من ق ح ج ط ويشار إلى أنّه في فرنسا يمكن أن تمتد الحراسته النظرية بالنسبة للقاصر الذي يتجاوز عمره: 16 سنة مدّة 4 أيام في المتابعات المتعلقة بالجريمة المنظمة تطبيقا للمادة: 706- 88 وذلك بعد إحضاره لوكيل الجمهورية Jean Pradel procédure pénale Cujas édition 2008-2009 p 505
المبحث الثاني: حقوق الشخص الخاضع للحراسة النظرية وآثار المساس بها
سنقسم هذا المبحث إلى فقرتين نخصّص الأولى منها للحديث عن بعض حقوق الشخص الخاضع للحراسة النظرية بينما نتعرض في الفقرة الثانية لآثار المساس ببعض هذه الحقوق
الفقرة الأولى: حقوق الشخص الخاضع للحراسة النظرية
منح المشرع الخاضع للحراسة النظرية عدة حقوق منها على سبيل المثال:
1- وجوب إخباره بسبب اعتقاله: تطبيقا للمادة: 23 من ق إ ج وحسب المفهوم من المادة: 4 من القانون رقم: 2015/ 33 المتعلق بمناهضة التعذيب والمادة: 9 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والمادة: 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يذكر للشخص سبب وضعه تحت الحراسة النظرية فور إخضاعه لها وإذا كان الشخص من أهل القانون يمكن في هذه الحالة أن يبين للضابط أنّ الفعل غير مجرّم
2- وجوب إخبار وكيل الجمهورية بالاعتقال: يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يخبر وكيل الجمهورية فورا بإخضاعه للمعني لهذا الإجراء والسبب الذي دفعه إلى إخضاعه له وإذا كان الفعل غير مجرّم بين وكيل الجمهورية ذلك لضابط الشرطة القضائية وأمره بإطلاق سراح المعتقل فورا ويشار إلى أنّ وكيل الجمهورية هو من يراقب الوضع في الحراسة النظرية تطبيقا للفقرة الخامسة من المادة: 59 من ق إ ج كما أنّ الضابط ملزم بتبرير جميع تصرفاته لوكيل الجمهورية طبقا للفقرة الأخيرة من المادة: 57 من ق إ ج ويشار إلى أنّ المادتين: 63 و 77 من مدونة الإجراءات الفرنسية تلزمان الضابط بإشعار وكيل الجمهورية بوضع أيّ شخص تحت الحراسة وذلك في بدايتهاGilbert Azibert code de procédure pénale lexisnexis – Litec édition 2011 pp 75- 87
3- الإخبار بالحقّ في الاتصال بأحد أقاربه: يجب على الضابط إشعار المعتقل بأنّ له الحقّ في الاتصال بأحد أقاربه أو أيّ شخص آخر يريد الاتصال به وذلك بعد تقريّر إخضاعه للحراسة النظرية وذلك تطبيقا للفقرة الثانية من المادة: 58 من ق إ ج والمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وجاءت في المادة: 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان مقتضيات مشابهة
4- الإخبار بالحقّ في الاتصال بمحام: تطبيقا للمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب أصبح من الواجب على ضابط الشرطة القضائية عند توقيفه لأيّ شخص بقصد إخضاعه للحراسة النظرية أن يخبره بأنّ له الحقّ في الاتصال بمحاميه بمجرد توقيفه وأنّ له الحقّ في تعهيد محام كما أنّ للمحامي المتعهد الاتصال بزبونه متى شاء وتقديم ملاحظات مكتوبة تضاف للملف حتى لو كان الشخص معتقلا بسب جرائم إرهابية أو وقائع متعلقة بجرائم أمن الدولة وذلك لعدة أسباب منها:
*أنّ قانون مناهضة التعذيب مساو من حيث الدرجة لقانون الإجراءات الجنائية وقانون الإرهاب وصدر بعدهما
* أنّ القوانين يجب أن تفهم وتفسر بشكل يصب في تعزيز صيانة الحريات الفردية
ورغم أنّ اتصال الشخص بمحاميه يقع تحت رقابة ضابط الشرطة القضائية فإنّه يجب أن يتمّ في ظروف تكفل حماية حقوق الدفاع بما في ذلك سرية ما دار بين المعتقل ومحاميه وذلك تطبيقا للفقرة الرابعة من المادة: 58 من ق إ ج ونشير إلى أنّ هذا الاتصال مدّته - تكون على الأقلّ - ثلاثون دقيقة ويقع دون إذن من وكيل الجمهورية غير أنّ الضابط يمكن أن يشعره به ولا يمكن لأيّ كان - انطلاقا من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب - الوقوف دون هذا الاتصال ولا تأخيره هذا بالنسبة للبالغ أمّا القاصر فيجب أن يوفر له محام ومساعدة اجتماعية أثناء الحراسة النظرية وذلك تطبيقا للمادة: 101 و 103 من ق ح ج ط
5- وجوب إخباره بأنّ له الحقّ في أن يعرض نفسه على طبيب: تطبيقا لذات المادة أي المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب يجب على الضابط أن يخبر المعتقل فور إخضاعه للحراسة النظرية بأنّ له الحقّ في عرض نفسه على طبيب هذا بالنسبة للبالغ أمّا القاصر فإنّه يجب أن يعرض على طبيب من طرف ضابط الشرطة القضائية تطبيقا للمادة: 102 من ح م ج ط
6- وجوب إخباره بأنّ له الحقّ في طلب المساعدة القضائية: تطبيقا للمادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب يجب على الضابط إخبار الموقوف بأنّ له الحقّ في طلب المساعدة القضائية والحصول عليها مع أنّ هذا القانون لم يحدّد إجراءات سهلة لتطبيق هذا البند من ناحية الحصول على هذا الحقّ وفي ظلّ النصوص الحالية والفهم السائد لها يصعب تصور حصول أيّ شخص بالغ مهما كانت تهمته على المساعدة القضائية أثناء الحراسة النظرية خاصة خارج المدن الكبرى مثل أنواكشوط ... نظرا لكثير من الأمور منها ندرة تواجد المحامين في كثير من الأماكن
7- منع الإخضاع للإكراه والتعذيب: لا يجوز لضابط الشرطة القضائية إخضاع المعتقل لأيّ إكراه أو تعذيب تطبيقا للمادتين: 1 و 10 من قانون مناهضة التعذيب والفقرة الأولى من المادة: 58 من ق إ ج وتعزيزا لكلّ ذلك جاء في الفقرة الأخيرة من المادة التمهيدية من ذات القانون أنّه: ( لا يعتد بالاعتراف المنتزع تحت التعذيب أو العنف أو الإكراه ) وتضمنت المادة: 6 من قانون مناهضة التعذيب مقتضيات مشابهة حيث جاء فيها أنّ: ( كلّ اعتراف ثبت أنّه تمّ الحصول عليه تحت التعذيب لا يمكن الاعتداد به كوسيلة إثبات .... ) كما جاء في المادة: 15 من القانون التوجيهي رقم: 2010/ 07 المتضمن النظام الأساسي للشرطة الوطنية أنّه: ( يُلزم أفراد الشرطة الوطنية بالامتناع عن كلّ عمل من شأنه المساس بالحريات الفردية والجماعية باستثناء الحالات المنصوص عليها في القانون وبصورة عامة كلّ المعاملات الفظة أو المذلة التي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان )
8- وجوب تقديم التغذية للمعتقل: يفهم من الفقرة الأولى من المادة: 58 و الفقرة الثانية من المادة: 59 الجميع من ق إ ج والمادتين: 2 و 10من قانون مناهضة التعذيب أن على ضابط الشرطة القضائية أن يقدم للمعتقل التغذية اللازمة لإعاشته طيلة الحراسة النظرية كما يجب أن يبين نوعها وأوقات تقديمها للمعتقل في المحضر الابتدائي ليتمكن كلّ من القضاء حارس الحريات الفردية ودفاع المتهم من معرفة ما إذا كان المعني خضع لتجويع وينطبق الأمر على الشراب وذلك باعتبار أن كلاّ من التعريض للعطش والجوع يدخل في مفهوم التعذيب ذلك أنّه عندما لا يبين المحضر تقديمها ووقته ويدعي المعتقل أنّه تمّ تعريضه للجوع والعطش يمكن أن يصدّقه القضاء لأنّ الأصل عدم تقديمها
9- وجوب عدم إرهاق الموقوف: لا يجوز تعريض الموقوف لأيّ معاملة حادة أو على درجة معينة من القسوة بحيث يكون من شأنها العمل على انهيار المعتقل وذلك تطبيقا للقواعد العامة و للفقرة الأولى من المادة: 58 و الفقرة الثانية من المادة: 59 الجميع من ق إ ج وكذلك الفقرة الأخير من المادة التمهيدية والمواد: 1 و 2 و 10 من قانون مناهضة التعذيب لذلك وتطبيقا للفقرة الثانية من المادة: 59 من ق إ ج يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يبين في المحضر أو قات الاستجوابات وطريقتها ومددها حتى يتمكن الدفاع والقضاء من معرفة ما إذا كان الضابط سعى من خلالها لإرهاق المتهم من أجل الحصول منه على معلومات بطريقة غير مشروعة وذلك باعتبار أنّ الإرهاق تعذيب
10- وجوب عدم حجز الموقوف في غير الأماكن المخصصة للحجز: بموجب هذا الحقّ يجب على ضابط الشرطة القضائية أن لا يحتجز أيّ شخص إلا في الأماكن المحدّدة لذلك قانونا والتي يجب أن تكون نظيفة وتتسع للفصل بين الجنسين وذلك تطبيقا للقواعد العامة وللمادة: 5 من قانون مناهضة التعذيب والفقرة الأولى من المادة: 58 من ق إ ج
11- وجوب إطلاق سراح المعتقل أو إحالته إلى وكيل الجمهورية: تطبيقا للفقرة الخامسة من المادة: 57 من ق إ ج يجب على ضابط الشرطة القضائية فور انتهاء الحراسة النظرية أن يطلق سراح المعتقل أو أن يقدمه لوكيل الجمهورية وذلك تحت طائلة المتابعة بجريمة الحبس التحكمي الفعل المجرم والمعاقب طبقا للمادة: 319 وما بعدها في بابها من ق ج ....
وفي ختامي حديثي عن هذه الحقوق أشير إلى أنّ الإخبار بها يجب أن يثبت هو وتاريخه في المحضر وإلا يجب اعتباره كأن لم يكن صيانة لحقوق الدفاع وقياسا على الإعذار الذي يجب على القاضي إثباته فإذا لم تصدق الشريعة الإسلامية القاضي في صحّة إجراءاته كان فيها من باب أولى وجوب إثبات غيره لصحة إجراءاته (البهجة فيش رح التحفة أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي ج1 ص 164) ويشار إلى أنّ الشريعة هي المصدر الوحيد للقانون في موريتانيا
الفقرة الثانية: آثار المساس بحقوق المعتقل
في البداية يجب التنبيه إلى أنّ الحقوق التي وردت في المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لحقوق الدفاع الأمر الذي دفع الغرفة الجزائية بمحكمة النقض الفرنسية في قرار صادر عنها بتاريخ: 30 إبريل 1996 إلى الزعم بأنّ مجرد التأخر في إخبار المعتقل بحقوق مشابهة لها في القانون الفرنسي لغير داع يشكل بذاته مساسا بمصالح المعتقل Jean Pradel procédure pénale op. cit. p 514 لذا سيقتصر حديثي هنا على أثر المساس بأكثرها أهمية بالنسبة لحقوق الدفاع وذلك على النحو التالي:
1- جزاء الإيذاء : يجب أن يرتب القضاء على أيّ تعذيب بل أيّ إيذاء للمتهم بطلان المحضر الابتدائي الذي حصل الإيذاء أثناء إنجازه وبموجبه وتجب الإشارة هنا إلى أمور منها:
• أنّ الغرفة الجنائية باستئنافية أنواكشوط في قرارها رقم: 102/ 2016 الصادر بتاريخ: 29/08/ 2016 في الملف رقم: 101 / 2016 قرّرت عدم الاعتداد بالأدلة التي حٌصل عليها في إطار البحث الابتدائي الذي يفترض انطلاقا من خبرة قامت بها الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب أنّ التعذيب حصل فيه بالنسبة للمتهمين رقم:5 و 12 وهو مجرد عمل بالمواد القانونية سالفة الذكر أي الفقرة الأخيرة من المادة التمهيدية من ق إ ج والمادة: 6 من قانون مناهضة التعذيب
• أنّه في حالات كثيرة يتمّ القبض على الشخص وقد تعرض للضرب على أيدي المارة وتكون آثار هذا الضرب بادية عليه ففي هذه الحالة والحالات المشابهة لها يجب على الضابط الذي قبض عليه في حالة ما لم يتمكن من القبض على من ضربوه أن يحرّر محضرا في الحال يثبت فيه وضعية المعتقل يوقعه معه شهود ممّن كانوا حاضرين وقت القبض عليه وذلك للحيلولة دون إمكانية ادعاء المعتقل أنّه تمّ تعذيبه من طرف الضابطة العدلية
• أنّ الضابط الذي عذّب أيّ معتقل ومهما كانت الأسباب التي دفعته إلى ذلك يمكن أن يتعرض للمتابعة بجريمة التعذيب المجرمة والمعاقبة بالمادة: 10من قانون مناهضة التعذيب بالسجن من 10 إلى 20 سنة هذا بالإضافة إلى جبر الضرر تطبيقا للقواعد العامة للمسئولية والمادة: 10 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ويشار إلى أنّ جريمة التعذيب لا تتقادم طبقا للفقرة الثانية من المادة: 1 من قانون مناهضة التعذيب التي جاء فيها: ( تشكل أفعال التعذيب .... جرائم ضدّ الإنسانية غير قابلة للتقادم )
2- جزاء تجاوز المدد المحددة للحراسة النظرية: نصت المادة: 60 من ق إ ج على أنّه يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي يخضع أيّ شخص للحراسة النظرية أن يسجل في السجل الخاص بها المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة: 59 من ق إ ج والنقطة السادسة من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وقت بدايتها وتاريخ انتهائها ويجب أن ينقل ذلك في محضر البحث الابتدائي الذي يشكل بداية ملف المتابعة ويجب أن يوقعه المعتقل ما لم يكن عاجزا عن التوقيع أو يرفضه ويشار إلى أنّ الأثر الذي يترتب على اعتقال الشخص مدة تتجاوز المدّة القانونية للحراسة النظرية هو بطلان محضر البحث الابتدائي في فرنسا ( Pierre Chambon / Christian Guéry droit et pratique de l’instruction préparatoire Dalloz 2007- 2008 p 652 ) أمّا في موريتانيا ورغم أنّ مدد الحراسة النظرية فيها طويلة جدّا فلم أسمع أنّ أيّ محكمة رتبت على تجاوزها أيّ بطلان هذا مع أنّني أرى أنّ تجاوزها يشكل مساسا بحقوق الدفاع انطلاقا ممّا ورد في النقطة الرابعة من المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وفي ضوء الفقرة الأخيرة من ذات المادة التي جاء فيها أنّ جزاء تخلف مراعاة ما ورد فيها من مقتضيات هو البطلان النسبي على الأقل لمحضر البحث الابتدائي
3- جزاء منع الاتصال بالمحامي أو تأخيره: لا شكّ في أنّ منع المعتقل من الاتصال بمحاميه أو تأخير هذا الاتصال أو عدم توفير الظروف المناسبة لهذا الاتصال تصرفات تنتهك بشكل سافر حقوق الدفاع ونصّ وروح المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب ويترتب عليه هو وغيره من انتهاك الحقوق السابقة الواردة في هذه المادة أي المادة: 4 البطلان النسبي لمحضر البحث الابتدائي ويتعزز هذا المذهب في ضوء:
• أن الحيلولة بين المعتقل وبين الاتصال بمحاميه أو تأخير اتصاله به ماس بحقوق الدفاع قطعا وأنّ أيّ عمل تتضرّر منه حقوق الدفاع يمكن أن يترتب عليه بطلان الإجراءات التي أنجزت انتهاكا له حسب نصّ الفقرة الأولى من المادة: 169 من ق إ ج التي جاء فيها: ( يمكن أن تتعرض إجراءات التحقيق للبطلان إذا لم تراع فيها الشكليات المنصوص عليها في المادتين 101 و104 أو في المقتضيات والنصوص الأخرى الأساسية الواردة في هذا الباب، وفي حالة خرق حقوق الدفاع ) ونصّ الفقرة الثانية من المادة: 207 من ذات القانون التي نصّت بدورها على أنّ لغرفة الاتهام إبطال الإجراءات إذا أضرّ عدم صحتها بحقوق الدفاع أو بحقوق الطرف المدني وانتهاك هذه الحقوق ضار بحقوق الدفاع هذا بالنسبة للبالغ أمّا القاصر ونظرا لأنّ هناك قرينة غير قابلة لإثبات العكس بأنّه لا يمكنه أن يدافع عن نفسه بالشكل المطلوب ونظرا لأنّ القانون أوجب أن يعهد له محام في طور الحراسة النظرية عملا بما تمّت الإشارة إليه أعلاه فإنّ جزاء عدم تعهيد المحامي له يجب أن يكون البطلان المطلق أو النسبي على الأقل لمحضر البحث الابتدائي
• أنّ الصيغة التي تضمنت المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب وما تمّ ختمها به من أنّ عدم احترامها يمكن أن يتعرض فاعله لعقوبات تأديبية وجنائية ممّا يعني أنّ الإخبار بما جاء فيها من حقوق وتمتيع المعتقل به مفروض تحت طائلة البطلان النسبي على الأقل
وفي ختام حديثي عن الحراسة النظرية بهذا الشكل الموجز أود التنبيه إلى الأمور التالية:
1- لا أتذكر أنّني وقعت عيني على محضر يستجيب لمقتضيات المادة: 4 من قانون مناهضة التعذيب من وجهة نظري على الأقلّ كما لم تقع على محضر يستجيب لما تمّ ذكره أعلاه بصفة كاملة وربما كان ذلك عائدا إلى أنّ النصوص التي صدرت حديثا لم ينظم حولها كثير من ورشات التحسيس بحيث لا تزال مجهولة من طرف بعض ضباط الشرطة القضائية وغيرهم ويعزز هذا المذهب عدم انتشار الجريدة الرسمية وصعوبة الحصول عليها لمن يقطنون في أنواكشوط وبهذه المناسبة أشكر العاملات فيها على ما يقدمن من عون لمرتاديها
2- أنّ من المهم التنبيه إلى أنّه في كثير من الأحيان وخارج حالات الإحالة في مساطر التلبس والحالة المنصوصة في المادة: 172 من ق إ ج المتعلقة بإمكانية إبطال محكمة الجنح للإجراءات أو بعضها ... لا تصل القضية محاكم الحكم إلا بعد أن تتحصن الإجراءات فيها طبقا للفقرة الثالثة من المادة: 183 من ق إ ج والمادة: 211 من ذات القانون وما تتضمنان من مقتضيات يفهم منها أنّه بعد تحصن قرار الإحالة لا تمكن إثارة عيوب الإجراءات لكن أيّ قضاء يؤمن بأنّه هو الحارس الفعلي للحريات الفردية وأنّ عليه التعبير عن قدرته على ذلك بشكل مقنع للمواطنين لن يرتب على إجراءات معيبة رغم أنّه لا يمكنه إبطالها قانونا ذات النتائج التي يرتب على محاضر صحيحة
وفي ختام حديثي عن الحراسة النظرية أرجو أن تثير هذه الأسطر اهتمام من هم أكثر منّي جدارة بتناول الموضوع فيشبعونه بحثا ونقاشا بشكل أكثر فائدة
بقلم: القاضي محمد ينج ولد محمد محمود