عرض نقيب المحامين في المنتدى الدولي حول الحوكمة الرشيدة بتونس
بسم الله الرحمن الرحيم
دور المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحكم الرشيد
طلب مني الإخوة –مشكورين- تقديم عرض عن دور المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحكم الرشيد، وهو موضوع على درجة كبيرة من الأهمية خصوصا في بلداننا الطامحة لمزيد من التقدم والازدهار والتنمية والحكم الرشيد
والحديث في هذا الموضوع يجعلنا نستحضر مفهوم "الخلافة الراشدة" في التاريخ الإسلامي، وماتحمله من دلائل العدل والقسط والحرية والمساواة، كما أننا نستحضر كذلك مفهوم "الرشد" بدلالته القانونية وما تحمله من معاني الحكمة والحنكة وحسن التقدير والتقرير
كما أننا سنستحضر كذلك مفهوم المدنية وما تحمله من معاني النظام والانتظام في بوتقة مترابطة ذات مصالح مشتركة ومصير مشترك تفرضه طبيعة الحياة، بخلاف البداوة التي تقتضي البساطة والانفراد والتفرد
كل هذا الاستحضار سيجعلنا ندرك حاجة المجتمعات المتمدنة إلى حاكم غير متفرد بالحكم، يشارك مواطنيه ويشاركونه ويساعدهم ويساعدونه، ويتقاسمون الأدوار والوظائف والمهام من أجل تحقيق التنمية المستدامة
غير أنه في العصر الحديث يكثر الحديث في أدبيات السياسة والقانون المعاصرين عن مفهوم الحكم الرشيد، وهو بطبيعة الحال مفهوم حديث، بل هو من مفاهيم "ما بعد الحداثة" في الفكر السياسي والفكر القانوني والتخطيط الاقتصادي التنموي المعاصر.
لذلك تتعدد الدلائل التي يُشير إليها مفهوم الحكم الرشيد، حيث يرد ذكره بكثرة في العديد من الأدبيات الخاصّة بالتنمية، وتحديداً في المجال المؤسساتي، والإنساني والإداري، علماً أنّ الحكم الرشيد بمفهومه العام يدلّ على جُملة الممارسات والأساليب التي تضمن تحقيق ودعم وتعزيز الرفاهية الإنسانية، وتتيح إمكانية توسيع دائرة خيارات البشر وفرصهم، وفتح الآفاق المتعددة لهم لتحقيق مستوى معيشي أفضل على كافة الأصعدة الحياتيّة، بما في ذلك الجانب الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي.
وإذا كان ذلك كذلك فإن الحكم الرشيد سيؤمن سيادة ظروف مستقرة، ناتجة عن وجود أساسيات الحكم السليم، مثل: المساءلة، والمساواة، والمشاركة والشفافية، والقدرة على التأقلم والاستجابة للمتغيّرات المختلفة، علماً أنّ هناك العديد من المعايير التي وضعها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والتي تصلّ إلى تسعة معايير عامة، أبرزها حق المشاركة، ومبدأ سيادة القانون، والشفافية ، والاستجابة و المساواة، والفعالية، والمساءلة، والنزاهة، و الرؤية الاستراتيجية.
وبالنظر إلى الدور الذي يضطلع به المجتمع المدني بشكل عام، والذي يتمحور أساسا في مهمتين كبيرتين:
الأولى تتعلق بتحقيق التنمية الشاملة عن طريق تكامل عمل المجتمع المدني مع عمل الدولة والقطاع الخاص، بحيث تعمل القطاعات الثلاث من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وهو ما ينعكس بالإيجاب على مواطني الدولة، وهذه المهمة نشأت بالأساس نتيجة صعوبة تحقيق التنمية من قبل الدولة وحدها
أما المهمة الثانية فهي مهمة رقابية، إذ وجود مجتمع مدني فعال يشكل ضمانا للمساءلة والشفافية، مما يعزز النظام الديمقراطي النزيه للدولة، وهذه المهمة نابعة من تعريف المجتمع المدني أصلا بأنه الوسيط بين الشعب والنظام.
ولكي يقوم المجتمع المدني بدوره بالوجه الصحيح، لابد أن تكون له موارد لكي يستطيع الإنفاق ومن هنا نشأت فكرة "التمويل" سواء من الداخل أو الخارج، والتي تم تقنينها في القانون الدولي وفي أغلب الدول.
ولكي يكون المجتمع المدني فعالا ومؤثرا، لابد من أن يعي الشعب والنظام أهمية وجود القطاع الثالث كوسيط رقابي يتكامل مع الدولة في تحقيق دولة الرفاهة، وأن كل هذا يصب في المصلحة العامة وليس العكس.
من هنا تظهر ضرورة المشاركة المجتمعية الفعالة من كافة مؤسسات المجتمع المدني، نظرا لتداخل الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية في محددات الحكم الرشيد، فتلعب مؤسسات المجتمع المدني دور الحسم في الكثير من القضايا المحورية والمفصلية في المجتمع الذي تعيش فيه، وهي بذلك إما أن تكون أداة تدعم وتعزز دور السلطة في تلك الدولة من اجل تعزيز مفاهيم الديمقراطية، والحقوق المدنية، والحكم الرشيد، أو أن تلعب الدور العكسي، ذلك أن هذه المؤسسات يمكن أن تدعم السلطة في تعزيز الحكم الرشيد من خلال تنفيذ حملات توعية مستمرة لتعزيز اطر التعاون والتفاعل ما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع وأفراده، والمشاركة مع السلطات التنفيذية والتشريعية في المناقشة والتداول في القضايا الهامة، وخاصة في صياغة القوانين وتعديلها، وكذلك في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وإعداد الدراسات والأبحاث حول القضايا والمشاكل المجتمعية كالفقر والبطالة، وقضايا المرأة والطفل، واقتراح الحلول ومناقشتها مع السلطات التنفيذية والتشريعية،
فالأساس الذي يقوم عليه مفهوم الحكم الرشيد هو عملية نزع "القداسة" عن السلطة ونقلها للمجتمع والافراد، بحيث يسعى المجتمع إلى مزيد من المشاركة وتفعيل نفسه مدنياً.
وباعتبار الدولة –بالمفهوم الحديث- لم تعد الفاعل الرئيسي في العملية السياسية والاقتصادية فإنه لامناص من تحفيز المجتمع المدني، بشكل يدعو إلى العودة إلى "ضوابط مجتمعية أخلاقية" لطرفي الوجود السياسي "الحاكم والمحكوم"، بشكل يزيد من فاعلية المجتمع المدني وتأثيره في السياسات العامة للدولة.
ضف إلى ذلك أن مفهوم الحكم الرشيد يفترض أن السلطة لم تعد تتفاعل مع أفراد محكومين فحسب، بل هي تتفاعل مع شبكة مدنية ممثلة بقطاعات حداثية مثل الأحزاب، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات وغيرها، الأمر الذي يستدعي تأسيس ثقافة مدنية حقيقية لدى أفراد المجتمع، والاهتمام بالتنشئة التنموية المدنية في هذا السياق.
والحكم الرشيد بذات الوقت يعبر أيضاً عن تغير العلاقة بين السلطة والقطاع الخاص بالتأثير المتبادل، باعتماد المهارة والكفاءة الإدارية معايير أساسية تحكم إدارة القطاع العام، وتوجيه هذا القطاع نحو مشاريع ربحية تعبر عنها الخصخصة، فيكون القطاع الخاص جزءاً من إدارة الدولة.
ولأن مؤسسات المجتمع المدني في كافة دول العالم، وخاصة في المجتمعات الديمقراطية، صاحبة الدور البارز في بناء أسس الحياة الديمقراطية والتشكيل السياسي، وكافة تفاصيل الحياة العامة، فإنها –بالضرورة- تعزز السلوك المدني من خلال المؤسسات غير الرسمية، التطوعية، المكونة من الأحزاب السياسية والمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي، وهي تعمل على تعزيز ونشر مجموعة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى تطوير وتنمية المجتمع.
وتتلخص طبيعة عمل المجتمع المدني في مجال الحكم الرشيد بأنه الرديف الحقيقي للسلطة في أي دولة، بحكم عمله على التثقيف والتوعية، والرقابة والتقييم، والمحاسبة والمساءلة، والمتابعة والتطوير، والاهم المساهمة الفاعلة في تطوير وتنمية المجتمع من خلال نشر مفاهيم الحياة المدنية، المكونة من المنظمات الأهلية غير الحكومية.، والنقابات والتنظيمات المهنية.، والاتحادات العمالية، والأحزاب السياسية.
الأستاذ/الشيخ ولد حندي
نقيب الهيئة الوطنية للمحامين الموريتانيين
دور المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحكم الرشيد
طلب مني الإخوة –مشكورين- تقديم عرض عن دور المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحكم الرشيد، وهو موضوع على درجة كبيرة من الأهمية خصوصا في بلداننا الطامحة لمزيد من التقدم والازدهار والتنمية والحكم الرشيد
والحديث في هذا الموضوع يجعلنا نستحضر مفهوم "الخلافة الراشدة" في التاريخ الإسلامي، وماتحمله من دلائل العدل والقسط والحرية والمساواة، كما أننا نستحضر كذلك مفهوم "الرشد" بدلالته القانونية وما تحمله من معاني الحكمة والحنكة وحسن التقدير والتقرير
كما أننا سنستحضر كذلك مفهوم المدنية وما تحمله من معاني النظام والانتظام في بوتقة مترابطة ذات مصالح مشتركة ومصير مشترك تفرضه طبيعة الحياة، بخلاف البداوة التي تقتضي البساطة والانفراد والتفرد
كل هذا الاستحضار سيجعلنا ندرك حاجة المجتمعات المتمدنة إلى حاكم غير متفرد بالحكم، يشارك مواطنيه ويشاركونه ويساعدهم ويساعدونه، ويتقاسمون الأدوار والوظائف والمهام من أجل تحقيق التنمية المستدامة
غير أنه في العصر الحديث يكثر الحديث في أدبيات السياسة والقانون المعاصرين عن مفهوم الحكم الرشيد، وهو بطبيعة الحال مفهوم حديث، بل هو من مفاهيم "ما بعد الحداثة" في الفكر السياسي والفكر القانوني والتخطيط الاقتصادي التنموي المعاصر.
لذلك تتعدد الدلائل التي يُشير إليها مفهوم الحكم الرشيد، حيث يرد ذكره بكثرة في العديد من الأدبيات الخاصّة بالتنمية، وتحديداً في المجال المؤسساتي، والإنساني والإداري، علماً أنّ الحكم الرشيد بمفهومه العام يدلّ على جُملة الممارسات والأساليب التي تضمن تحقيق ودعم وتعزيز الرفاهية الإنسانية، وتتيح إمكانية توسيع دائرة خيارات البشر وفرصهم، وفتح الآفاق المتعددة لهم لتحقيق مستوى معيشي أفضل على كافة الأصعدة الحياتيّة، بما في ذلك الجانب الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي.
وإذا كان ذلك كذلك فإن الحكم الرشيد سيؤمن سيادة ظروف مستقرة، ناتجة عن وجود أساسيات الحكم السليم، مثل: المساءلة، والمساواة، والمشاركة والشفافية، والقدرة على التأقلم والاستجابة للمتغيّرات المختلفة، علماً أنّ هناك العديد من المعايير التي وضعها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والتي تصلّ إلى تسعة معايير عامة، أبرزها حق المشاركة، ومبدأ سيادة القانون، والشفافية ، والاستجابة و المساواة، والفعالية، والمساءلة، والنزاهة، و الرؤية الاستراتيجية.
وبالنظر إلى الدور الذي يضطلع به المجتمع المدني بشكل عام، والذي يتمحور أساسا في مهمتين كبيرتين:
الأولى تتعلق بتحقيق التنمية الشاملة عن طريق تكامل عمل المجتمع المدني مع عمل الدولة والقطاع الخاص، بحيث تعمل القطاعات الثلاث من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وهو ما ينعكس بالإيجاب على مواطني الدولة، وهذه المهمة نشأت بالأساس نتيجة صعوبة تحقيق التنمية من قبل الدولة وحدها
أما المهمة الثانية فهي مهمة رقابية، إذ وجود مجتمع مدني فعال يشكل ضمانا للمساءلة والشفافية، مما يعزز النظام الديمقراطي النزيه للدولة، وهذه المهمة نابعة من تعريف المجتمع المدني أصلا بأنه الوسيط بين الشعب والنظام.
ولكي يقوم المجتمع المدني بدوره بالوجه الصحيح، لابد أن تكون له موارد لكي يستطيع الإنفاق ومن هنا نشأت فكرة "التمويل" سواء من الداخل أو الخارج، والتي تم تقنينها في القانون الدولي وفي أغلب الدول.
ولكي يكون المجتمع المدني فعالا ومؤثرا، لابد من أن يعي الشعب والنظام أهمية وجود القطاع الثالث كوسيط رقابي يتكامل مع الدولة في تحقيق دولة الرفاهة، وأن كل هذا يصب في المصلحة العامة وليس العكس.
من هنا تظهر ضرورة المشاركة المجتمعية الفعالة من كافة مؤسسات المجتمع المدني، نظرا لتداخل الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية في محددات الحكم الرشيد، فتلعب مؤسسات المجتمع المدني دور الحسم في الكثير من القضايا المحورية والمفصلية في المجتمع الذي تعيش فيه، وهي بذلك إما أن تكون أداة تدعم وتعزز دور السلطة في تلك الدولة من اجل تعزيز مفاهيم الديمقراطية، والحقوق المدنية، والحكم الرشيد، أو أن تلعب الدور العكسي، ذلك أن هذه المؤسسات يمكن أن تدعم السلطة في تعزيز الحكم الرشيد من خلال تنفيذ حملات توعية مستمرة لتعزيز اطر التعاون والتفاعل ما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع وأفراده، والمشاركة مع السلطات التنفيذية والتشريعية في المناقشة والتداول في القضايا الهامة، وخاصة في صياغة القوانين وتعديلها، وكذلك في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وإعداد الدراسات والأبحاث حول القضايا والمشاكل المجتمعية كالفقر والبطالة، وقضايا المرأة والطفل، واقتراح الحلول ومناقشتها مع السلطات التنفيذية والتشريعية،
فالأساس الذي يقوم عليه مفهوم الحكم الرشيد هو عملية نزع "القداسة" عن السلطة ونقلها للمجتمع والافراد، بحيث يسعى المجتمع إلى مزيد من المشاركة وتفعيل نفسه مدنياً.
وباعتبار الدولة –بالمفهوم الحديث- لم تعد الفاعل الرئيسي في العملية السياسية والاقتصادية فإنه لامناص من تحفيز المجتمع المدني، بشكل يدعو إلى العودة إلى "ضوابط مجتمعية أخلاقية" لطرفي الوجود السياسي "الحاكم والمحكوم"، بشكل يزيد من فاعلية المجتمع المدني وتأثيره في السياسات العامة للدولة.
ضف إلى ذلك أن مفهوم الحكم الرشيد يفترض أن السلطة لم تعد تتفاعل مع أفراد محكومين فحسب، بل هي تتفاعل مع شبكة مدنية ممثلة بقطاعات حداثية مثل الأحزاب، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات وغيرها، الأمر الذي يستدعي تأسيس ثقافة مدنية حقيقية لدى أفراد المجتمع، والاهتمام بالتنشئة التنموية المدنية في هذا السياق.
والحكم الرشيد بذات الوقت يعبر أيضاً عن تغير العلاقة بين السلطة والقطاع الخاص بالتأثير المتبادل، باعتماد المهارة والكفاءة الإدارية معايير أساسية تحكم إدارة القطاع العام، وتوجيه هذا القطاع نحو مشاريع ربحية تعبر عنها الخصخصة، فيكون القطاع الخاص جزءاً من إدارة الدولة.
ولأن مؤسسات المجتمع المدني في كافة دول العالم، وخاصة في المجتمعات الديمقراطية، صاحبة الدور البارز في بناء أسس الحياة الديمقراطية والتشكيل السياسي، وكافة تفاصيل الحياة العامة، فإنها –بالضرورة- تعزز السلوك المدني من خلال المؤسسات غير الرسمية، التطوعية، المكونة من الأحزاب السياسية والمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي، وهي تعمل على تعزيز ونشر مجموعة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى تطوير وتنمية المجتمع.
وتتلخص طبيعة عمل المجتمع المدني في مجال الحكم الرشيد بأنه الرديف الحقيقي للسلطة في أي دولة، بحكم عمله على التثقيف والتوعية، والرقابة والتقييم، والمحاسبة والمساءلة، والمتابعة والتطوير، والاهم المساهمة الفاعلة في تطوير وتنمية المجتمع من خلال نشر مفاهيم الحياة المدنية، المكونة من المنظمات الأهلية غير الحكومية.، والنقابات والتنظيمات المهنية.، والاتحادات العمالية، والأحزاب السياسية.
الأستاذ/الشيخ ولد حندي
نقيب الهيئة الوطنية للمحامين الموريتانيين